بقلم: محمد يوسف – صحيفة “البيان”
الشرق اليوم – أرضها هي الأغنى، ثرواتها لا تعد ولا تحصى، أنهارها تمتد طولاً وعرضاً، وهي الأفقر في العالم، والأكثر عرضة للمجاعات والجفاف وتكاثر الأمراض.
تلك هي أفريقيا، القارة السمراء العملاقة، التي لا يراد لها أن تستقر أو تنهض لتلحق بالركب الحضاري، فهي في نظر البعض ليست أكثر من سلة تجميع الاحتياجات الضرورية من الخامات النادرة، وهؤلاء البعض لا يعملون في الخفاء، وجوههم مكشوفة، ونواياهم كذلك، وكأن أهل تلك البلاد كتب عليهم أن يتلقوا الفتات، بينما بقايا المستعمرين والمستوطنين يستنزفون الثروات، وللأسف أمثال هؤلاء يساعدهم أبناء البلاد المنهوبة.
أفريقيا غير مسموح لها بالاستقرار، كل دولها تقريباً تعيش في صراعات قبلية وجهوية، والسلاح يتقاطر عليها، ويوزع على جميع الأطراف المتنازعة، ولا ينتصر أحد، هم فقط يتقاتلون، الحكومات الرسمية والمتمردون، والأموال تدور بين قادتهم، والناس إذا لم تقتلهم نار الحروب قتلتهم الأوبئة ومزقهم الجوع والعطش.
مرت ستة عقود على الاستقلال شبه التام لهذه القارة، فقد انحسر الاستعمار في ستينيات القرن الماضي، ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم تتصدر الدبابة المشهد العام في تلك البلاد، تماماً كما شاهدتم الصورة الأكثر تداولاً لانقلاب القوات الخاصة على الرئيس المنتخب في غينيا قبل يومين، قائد الانقلاب فوق ظهر دبابة يلوح للجماهير والبنادق تحميه، ويبشر بمستقبل أفضل لشعب علمته الحياة أن كل نظام جديد يعني نهباً مقنناً لثروات البلاد، وثراء فاحشاً لقادة ذلك النظام، وحرماناً فوق الحرمان لشعب استخدم اسمه في كل الانقلابات، والذهب والألماس وكل أنواع الأحجار الكريمة، واليورانيوم والفوسفات وكل خامات المعادن، هذه الثروات «تنبش» من تحت أرجل الذين لا يجدون ما يسد جوعهم ويروي عطشهم.
كانت أفريقيا مبتلية بالأوروبيين وجيوشهم وجشعهم، فأصبحت وبعد تضحيات من أجل الاستقلال وامتلاك إرادتها أسيرة ابتلاء آخر، وهو الابتلاء بأبنائها.