BY: Afzal Amin
الشرق اليوم – إن الإخفاق الذي حدث في أفغانستان قوّى شكيمة أعداء حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وألحق ضررا بتناغمه الداخلي. الكارثة التي حلّت بنا في أفغانستان ذات أبعاد تاريخية أيضا، وهي من صنعنا نحن، كما أن التبعات العديدة الناجمة عنها خطيرة.
العديد من الخبراء داخل الهياكل التنظيمية للناتو والأجهزة العسكرية والاستخباراتية التابعة للدول الأعضاء في الحلف -البالغ عددها 28 دولة- قد حذروا منذ عمليات نشر القوات الأولى على نطاق واسع في أفغانستان من أوجه القصور التي تشوب سياسته وإستراتيجيته وفن تنسيق القوات العسكرية وأساليب استعمال الأسلحة (التكتيكات).
وفي ظل الثقة الواجب توفرها بمثل هذه العمليات، كان من السهل رفض الآراء المخالفة لها. وخلال الفترة من 2006 حتى 2021 لم يطرأ أي تغيير على سياسة الحلف، ولم يحدث أي جديد تقريبا في الإستراتيجية في حين أُجريت تعديلات طفيفة على التكتيكات.
إن العلاقة بين السياسة والإستراتيجية والتكتيك أمر لازم لتحقيق النجاح.
وبحسب نصيحة الخبير العسكري والفيلسوف الصيني سون تزو، التي أسداها عام 500 قبل الميلاد وقال فيها “إن إستراتيجية من دون تكتيكات هي أبطأ طريق إلى النصر، وتكتيكات من دون إستراتيجية صخب يسبق الهزيمة”. كما يقول عالم الفيزياء ألبرت آينشتاين، إنه من الجنون “تكرار فعل الشيء نفسه مرات عدة وتوقع نتائج مختلفة”.
إن حلف الناتو محق في نفوره من الثورات، لكنه منفتح على “التحول المتدرج”.
ومن التحديات التي تواجه الناتو كيفية التعامل مع التوصيات المتعلقة بالتغيير، وإجازتها وتنفيذها على نطاق الحلف، والحاجة إلى تنويع الموارد البشرية المنوط بها هذا العمل “المهم” من حيث نوعية الأشخاص وخبراتهم السابقة.. بل علينا بذل مزيد من الجهد لتحديد الخطوة القادمة التي ينبغي للناتو اتخاذها في ما يتعلق بالغرض، والمسار، والأهداف، والهياكل، والأفراد، والتقنية، والتمويل.
كما أن الناتو بعد دحره التنظيمات “الإرهابية” وإطاحته بحكومة طالبان السابقة في وقت قصير جدا أمضى 20 سنة وهو يقاتل المزارعين والمليشيات السيئة التجهيز في أفغانستان، في حين صنّف محللوه الصين وإيران وروسيا على أنها تشكل التحدي الأكبر للنظام العالمي.
ثم إن الناتو موجود بشدة في العراق ودولة مالي اللتين تعانيان هشاشة مماثلة للوضع في أفغانستان بشكل صارخ. ويجب على الناتو القيام على الفور بمراجعة ما يقوم به في تلك الدولتين وكيفية جعل مهامه هناك أكثر مرونة واستدامة.
وإذا نفذت الولايات المتحدة مبدأها الخاص بشأن حوض الباسفيك، فإن أوروبا تستطيع التركيز على الدفاع عن مصالحها ضد روسيا وإيران، اللتين يجب ألا تكونا خصما للناتو، الأمر الذي يقتضي أن يتضمن المبدأ الجديد مجالات من شأنها إحداث تطبيع في العلاقات بالشروط “التي نرغب فيها ونطلبها”.
كذلك تركيا تعدّ رصيدا للناتو غير مستغل، فتركيا اضطلعت بدور رئيسي في مهمة الحلف بأفغانستان، كما أن لديها علاقات مع روسيا، وذلك قد يساعد الناتو في إستراتيجية التطبيع المستقبلية.
ومع ذلك على الحلف أن يبقى متيقظا تحسبا من أن ينصب محور روسيا-الصين المتنامي فخا قد يقود إلى صراع “غير مرغوب فيه”؛ ذلك أن ” تناغما أفضل بين الناتو وروسيا هو خطوة نحو تجنب مثل هذه الخاتمة”.
ويجب الحذر أن أوروبا تواجه ميولا متزايدا نحو الشمولية والاستبداد وسط سكانها الناقمين، الأمر الذي تسبب في خلق مكامن ضعف وقصور في دولها فرادى ومجتمعة.
ومثال ذلك حركة “السترات الصفراء” في فرنسا التي جاءت كردة فعل على الزيادة الضريبية الجديدة على الوقود التي أعلنتها حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون، واحتجاجات حركة “حياة السود مهمة” في لندن.
يمكننا القول إن الناتو سيظل عرضة للخطر، ومن ثم سيكون بحاجة إلى إقامة تحالفات مع دول متقاربة معه في التفكير في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو ما قد فعله الناتو بالضبط ضد روسيا عندما انضمت إليه تركيا في عام 1952.
ترجمة: الجزيرة