الشرق اليوم- إن “النهاية الفوضوية” للحرب التي خاضتها الولايات المتحدة في أفغانستان، ودامت عقدين، كشفت “عقيدة” الرئيس الأمريكي جو بايدن، المتمثلة في انتهاج سياسة خارجية تتجنّب التكتيكات العدوانية لـ”الحروب الأبدية” وبناء الدول، مع توحيد حلفاء أمريكا ضد “استبداد” قوى صاعدة.
بدأ بايدن بتحديد هذه العقيدة، الثلاثاء الماضي، عندما أعلن نهاية “حقبة من عمليات عسكرية كبرى لإعادة تشكيل دول أخرى”، معتبراً أن “الدبلوماسية هي أفضل وسيلة لحماية المصالح الأمريكية في العالم، فضلاً عن استخدام الجيش لمكافحة الإرهاب عند الضرورة فقط”.
واستدركت أن النهاية المضطربة للحرب في أفغانستان كشفت عن مكامن خلل في السياسة الخارجية لبايدن، إذ تدعو إلى استعادة حماية حقوق الإنسان وتعزيز الديمقراطية، لكن “فقط عندما ينسجم ذلك مع أهداف الولايات المتحدة”. ويؤشر انسحاب الرئيس من أفغانستان إلى أنه رأى أن المجازفة بحياة مزيد من الأمريكيين هناك، لم يعد يصبّ في المصلحة الوطنية لبلاده. ونقلت الصحيفة عن ميشيل فلورنوي، مساعدة وزير الدفاع خلال عهد الرئيس السابق باراك أوباما، قولها في إشارة إلى بايدن: “يبدو أنه يطبّق معياراً مفاده، إن لم أكن مستعداً لإرسال نجلي إلى هذه الحرب، فعندئذ بصفتي رئيساً، يجب ألا أطلب من أيّ شخص آخر إرسال أبنائه. هذا معيار علينا أن نتوقّع من كل رئيس أن يطبّقه”.
واستدرك المقال: “من المهم أن نميّز بين نزعته لبناء دول، وهي معدومة في الأساس، في مقابل نزعته لاستخدام القوة إذا كان ذلك ضرورياً للدفاع عن الأمن القومي للولايات المتحدة، والتي أعتقد أنها لا تزال قوية جداً”.
“عقيدة بايدن” ترى في الصين منافساً وجودياً للولايات المتحدة، وفي روسيا مصدراً للاضطرابات، وفي إيران وكوريا الشمالية دولتين تساهمان في انتشار الأسلحة النووية، كما تعتبر أن التهديدات السيبرانية ستتطوّر باستمرار، فيما أن الإرهاب لن يقتصر على أفغانستان، حسب “نيويورك تايمز”.
وقال مسؤولين في إدارة بايدن: إن الرئيس أشار، خلال اجتماعات في البيت الأبيض بشأن هذه الملفات، إلى ارتياحه لفكرة دعم الدبلوماسية الأمريكية بتموضع عسكري قوي، مشيرين إلى أنه حريص على تذكير إيران دوماً بقدرة الولايات المتحدة على تنفيذ هجمات، كما فعل الأسبوع الماضي عندما قال خلال لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت: إنه “مستعد لاعتماد خيارات أخرى”، إذا فشلت الدبلوماسية في كبح الطموحات النووية لطهران.
وأكدت الصحيفة أن هذه التهديدات لن تنجح، إلا إذا اقتنع الخصوم بأنه سيفعل ذلك.
لكن كوري شاك، التي تدير دراسات السياسة الخارجية والعسكرية في معهد “أمريكان إنتربرايز” المحافظ، والتي عملت في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) خلال عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن، رأت أن “لا أحد يعتقد أن إدارة بايدن ستشنّ هجوماً على البرنامج النووي الإيراني”، بعدما أوضح الرئيس نفوره من التورّط العسكري الأمريكي في الخارج. وأضافت: “كان ممكناً أن تكون لذلك تداعيات عسكرية”.
أفغانستان والعراق
واعتبرت “نيويورك تايمز” أن رفض بايدن لجهود بناء الدول، ليس جديداً، مذكّرة بأنه أيّد غزو أفغانستان والعراق، عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ، لكنه تراجع سريعاً، ومارس ضغوطاً حين كان نائباً للرئيس السابق باراك أوباما، كي تسحب واشنطن قواتها من البلدين.
وأشارت الصحيفة إلى أن معارضة مسؤولين في “البنتاغون” قرار بايدن بالانسحاب من أفغانستان كانت استثناءً، لافتة إلى أن الرئيس أحاط نفسه بمساعدين للأمن القومي ساهموا في تشكيل وجهة نظره بشأن كيفية تعزيز المصالح الأمريكية في الخارج، بينهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان.
واعتبر منتقدون لسياسات بايدن أن النتيجة هي أن عقيدته تتشكّل بواسطة مسؤولين ذوي تفكير مماثل، ويتبنّى معظمهم آراء الرئيس. ويعني ذلك أن حلفاء الولايات المتحدة وخصومها سيواجهون صعوبة في استغلال خلافات في الإدارة، لكن أيضاً أن بايدن قد لا يختبر ضغوطاً تُمارس على عقيدته، خلال اجتماعات داخلية في البيت الأبيض.
ورأت الصحيفة أن هذا الاختبار لن يكون ضرورياً في أي ملف، أكثر من الصين، التي تشكّل تحدياً عسكرياً واقتصادياً وتكنولوجياً للولايات المتحدة. وتسعى إدارة بايدن إلى مواجهة سردية أن بكين باتت قوة صاعدة، في مقابل تراجع واشنطن، من خلال إظهار التعافي الاقتصادي للولايات المتحدة، لكن نجاح ذلك يوجب على الرئيس كبح فيروس كورونا المستجد، من دون استخدام “الأدوات الاستبدادية المُتاحة لبكين”.
أما فيما يتعلّق بروسيا، فذكرت “نيويورك تايمز”، أن بايدن سيكون أكثر صرامة من سلفه، الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي تراجع أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في جبهات عدة.
وضغط بايدن في ملف تدخل موسكو بانتخابات الرئاسة الأمريكية، محذراً من أن الهجمات الإلكترونية التي تُشن من روسيا قد تؤدي إلى “حرب حقيقية مع قوة عظمى”. كما أنه اتخذ موقفاً أكثر صرامة من ترامب، في دعم حلفاء واشنطن ضد موسكو، لكنه مهّد لاعتماد الدبلوماسية، مدعومة باستخدام محتمل للقوة الأمريكية. ولفتت الصحيفة إلى أن “عقيدة بايدن” تتضمّن تنفيذ عمليات ضد تنظيمات تصنفها واشنطن “إرهابية”، ولكن من بعيد، وهذا ما يأمل “البنتاغون” أن يؤدي إلى مصرع عدد أقلّ من الجنود الأمريكيين، ولكنه يعني أيضاً وجود عدد أقلّ من الأمريكيين على الأرض لجمع معلومات استخباراتية، والمطالبة بتنفيذ هذه العمليات، مشيرة إلى أن أفغانستان قد تكون بمثابة الاختبار الأول لعقيدة بايدن.
المصدر: صحيفة الجريدة