بقلم: جيمس زغبي – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – لن أنسى قط المشاعر الطاغية التي اكتسحتني يوم الحادي عشر من سبتمبر 2001 والأيام التي تلته. والتذكر مهم لأن صدمة تلك الفترة شكلت بلا رجعة أميركا وسياستها الداخلية والخارجية وأثرت على جاليتنا العربية. ومن المهم استعادة ذكريات هذه الفترة والاعتبار من دروسها، خاصة لأن نحو ثلث الأميركيين لا يمكنهم تذكر ما حدث، إما لأنهم كانوا صغاراً جداً، أو كانوا قد جاءوا إلى البلاد مهاجرين قبل قليل.
بدأ يوم 11 سبتمبر، كأي يوم ثلاثاء آخر. كنت متوقفاً في إشارة لحركة السير حين أشارت امرأة في السيارة المجاورة لي وطلبت مني أن أفتح زجاج نافذة السيارة، ثم سألت: «هل سمعت ما حدث لمركز التجارة العالمي». فأجبت: «لا. راديو السيارة معطل». فقالت المرأة: «تحطمت طائرة في المبنى! والدي يعمل هناك ولا أعرف ما حدث له». وتغيرت إشارة السير ومضت المرأة في سبيلها. ولم أرها ثانية أبداً، لكن لن أنسى نظرة الرعب الشديد على وجهها.
وبعد وصولي إلى المكتب، شعرت أنا والزملاء بالذهول والصدمة من صور التلفزيون لطائرات تشطر برجي مركز التجارة العالمي وأشخاص يقفزون من البرجين ثم انهيار البرجين. لقد كان رعباً لا يُنسى. وبعد قليل أصبح الكابوس شخصياً. فلأن مكتبي لم يكن يبعد سوى مبنيين عن البيت الأبيض الذي كان هدفاً محتملاً، طُلب منا إخلاء المبنى بحلول الظهر، لكننا رفضنا المغادرة بسبب كثرة ما لدينا من عمل. ورغم أن هوية الخاطفين لم تكن معروفة بعد، كان هناك وفرة من التكهنات تشير إلى ضلوع العرب. واتصل بنا قيادات من الجالية الأميركية العربية طلباً للنصح بشأن كيفية الرد على طلبات لا مفر منها من وسائل الإعلام وأيضاً على التهديدات.
وكانت هناك إشارات واضحة على اختمار رد فعل عدائي. وأصبح مكتبي خاضعاً لحماية الشرطة بسبب سيل رسائل الكراهية وتهديدات بالقتل عامة وشخصية، مثل «جيم يا لابس العمامة! الموت لكل عربي. سنذبحك ونقتل أطفالك». وحين طُلب مني بعد شهر رصد مدى جرائم الكراهية وأعمال العنف المتعلقة بها التي حدثت في الأسابيع التالية للحادي عشر من سبتمبر لصالح لجنة الحقوق المدنية الأميركية، سجلت مئات من جرائم الكراهية ضد الأميركيين العرب والمسلمين الأميركيين أو الذين اشتُبه في أنهم عرب أو مسلمون. وتضمن ما سجلته سبع جرائم قتل وأعمال عنف أو التهديد بها.
ورد الفعل المعادي كان مرعباً ومثيراً للاضطراب للأميركيين العرب. كنا نشعر بالألم بسبب الفاجعة التي أصابت بلادنا، لكننا وجدنا أنفسنا ننتزع بعيداً عن حزننا وأجبرنا على السير في خوف نترقب. لقد كنت غاضباً من التهديدات والتحامل علينا، لكني كنت أكثر غضباً بالطبع من الإرهابيين الذين انتهكوا انفتاح بلادي وقتلوا آلافاً من بني وطني، وتسببوا في ضرر لا يحصى لملايين الأميركيين العرب والمسلمين.
وأصابتني قراءة التقارير عن أنشطة الخاطفين السابقة على هجمات الحادي عشر من سبتمبر بالدهشة من مدى خبث نوايا هؤلاء الأشخاص وانتهازهم الفرص واستغلال حسن نوايا الأميركيين. فقد حصلوا على منازل والتحقوا بمدارس وتمتعوا بحرية الحركة، بينما كانوا يدبرون لمهمة قاتلة. فكيف لم يتحولوا إلى التشكيك في الشر الذي يعتزمون تنفيذه بعد ما شهدوا من كل خير حولهم؟ وفي الأيام والأسابيع التالية استمرت الصدمة. والمقابلات مع الناجين وأفراد أسر الذين لقوا حتفهم كانت مؤلمة ولا يمكن نسيانها.
وكان العطف مؤثراً للغاية أيضاً. فحين علم بعض الناس بشأن مقدار الكراهية الذي نتعرض له، عبر كثيرون منهم عن أسفهم وقدموا الدعم. وكان من بين هؤلاء أعضاء من الكونجرس وجماعات كنيسة ومنظمات لجماعات عرقية رئيسية. وأدركت أنه مهما يكن من رد الفعل العدائي، فإننا سنحظى بحماية. والفصل الأخير من الحادي عشر من سبتمبر لم يكتب بعد. فقد بدأ هذا للأسف مع إدارة بوش والسياسات المحلية والخارجية الكارثية التي طبقت في السنوات التالية وهي أمور لن تنسى أبداً أيضاً، فعواقب هذه السياسات غير الرشيدة مازالت تطاردنا بعد مرور عقدين.