الرئيسية / مقالات رأي / دروس “كورونا” عربياً

دروس “كورونا” عربياً

بقلم: أمينة خيري – البيان الإماراتية

الشرق اليوم– أحب استطلاعات الرأي كثيراً، لا أتوانى عن المشاركة في أغلب المتاح منها، وأبذل جهداً لمتابعة نتائجها التي أعتبرها ضوءاً يتم تسليطه على زوايا أو رؤى قد تغيب عن الأذهان، وأخص بالذكر الاستطلاعات البسيطة غير المعقدة التي تهدف إلى جس نبض الشارع أو قياس حرارة المواطنين في مسائل حياتية يومية أو رؤى تسهم في تحديد مصائرهم ومساراتهم وأسرهم.

ولأننا جميعاً نعيش في عصر «كورونا» بامتياز، فالفيروس وما تسبب فيه من وباء أثبت حتى اللحظة أنه مستدام وبات حاضراً في الأذهان سواء فكرنا في السياسة أو خططنا للاقتصاد أو دبرنا للصحة أو طورنا في التكنولوجيا أو حتى فكرنا في إقامة حفل زفاف. وهل هناك أكثر من اعتبار كورونا لاعباً رئيسياً في المشهد الأفغاني والوضع اليمني والأزمة السورية والمأزق اللبناني والخلل الليبي.

والمشهد التونسي؟! وهل هناك ما يؤكد ذلك أكثر من تدابير إعادة رسم خارطة السياحة والسفر على أساس اللقاحات وهويتها واختبارات الوباء ونوعيتها والمسافرين وقدرة مناعتهم على مقاومة الفيروس؟! أو شبح الوباء النفسي الذي يحوم في طبقات الغلاف الجوي التي تحيط بالأرض والناجم عما فعلته جائحة «كورونا» من قلب لموازين الحياة رأساً على عقب؟! وقائمة أثر الوباء في حياة سكان الأرض طويلة وقوسها يبقى مفتوحاً.

وبقاء القوس مفتوحاً يعني أن الوباء لم يعد مجرد فيروس يصيب البعض فيميته، ويصيب البعض الآخر فيبقيه على قيد الحياة، مع الإبقاء على قرون استشعار الجميع مستنفرة ترقباً وتخوفاً. لكنه يعني أن على الأذكياء أن يمضوا قدماً في حياتهم مع سرعة استخلاص الدروس ورسم تصورات التعامل والخروج بخطط التعايش وبدء التنفيذ بينما نعيش ونعمل ونتعلم.

لذلك جاء استطلاع الرأي المنشور على موقع «البيان» هذا الأسبوع دالاً ومفيداً. سؤال الاستطلاع: ما هو برأيك أهم دروس جائحة «كورونا» عربياً؟ والسؤال لو تدرون تتسع إجابته لكتب ومراجع لا لأربع نقاط فقط لا غير. لكن هذه ميزة أخرى لاستطلاعات الرأي. فهي ليست أطروحات دكتوراة، أو تقارير حكومية لحل المشكلات. هي ومضات تلقي الضوء على زوايا بالغة الأهمية قد لا تكون حاضرة في الأذهان. كما تعد بدايات منطقية لتحديد الأولويات ورسم السياسات. الإجابات الأربع الواردة في الاستطلاع هي: رقمنة الاقتصاد والخدمات، زيادة الاسستثمار في القطاع الصحي، اعتماد العمل عن بعد وتعميمه، التعاون الدولي في مواجهة الأزمات.

وعادة لا أستغرق وقتاً طويلاً في الإجابة عن هذه الاستطلاعات، وذلك لأن أحد الاختيارات المطروحة في الغالب يكون مطابقاً لرأيي أو وجهة نظري، وهذا للعلم خطأ وتسرع من جانبي. فكم من نقاط غائبة عن الرأي، لكن إدماجها أو وضعها في الاعتبار يكون مفيداً. هذه المرة، باغتني سؤال الاستطلاع، إذ وجدته سؤالاً بالغ الأهمية وفي الوقت نفسه، إجابته بالغة الصعوبة لأن فيها ألف نقطة ومقترح.

من جهتي، وبعد تفكير، اخترت «رقمنة الخدمات والاقتصاد». اعتبرت هذا الاختيار، أو بالأحرى الأولوية، من شأنه أن ييسر التعليم الرقمي والعمل الرقمي وحتى الصحة الرقمية.

وكنت في البداية أفكر في اختيار «التعاون الدولي في مواجهة الأزمات»، ولكني تراجعت لاعتقادي بأننا لا نعيش في عالم مثالي وأن الاعتماد على منظومات أخلاقية غير ملزمة للجميع وجزء منها يرتبط ارتباطاً شرطياً بالمصالح والأهواء كأولوية أمر فيه خطورة.

المثير هو حصول «التعاون الدولي في مواجهة الأزمات» على النسبة العليا في التصويت وهي 32 في المئة. وأعزي ذلك إلى افتراض بأن النسبة الكبرى من المشاركين في الاستطلاع إما من إخواننا في الإمارات أو المقيمين فيها أو المتعاملين معها.

هؤلاء يعلمون بالمعايشة والمتابعة وبالحجة والبرهان ومن الأخبار والمتابعات مكانة الإمارات السامية والدور الدولي المركزي الذي تلعبه في ملف التعاون والمساعدات الدولية في الشرق والغرب. من أفغانستان إلى العراق ومنه إلى غزة واليمن، ومنهما إلى ماليزيا والسودان وإندونيسيا والكونغو واليونان والقائمة أطول من أن تذكر في مقال.

وكنا نتمنى أن تحذو دول العالم حذو الإمارات في ملف كالتعاون والمساعدات الدولية، لا سيما فيما يختص بلقاحات كورونا على سبيل المثال لا الحصر. لكن الأمنيات تظل أمنيات لحين تحولها إلى واقع ووقائع وفقرات في نشرة الأخبار.

وإلى أن يتحقق ذلك، حري بنا أن نسارع للالتفات إلى دروس كورونا. فالدروس تؤدي إلى استفادة ونمو معرفي وتوسيع مدارك تنعكس في اتخاذ القرارات وتفعيل السياسات وتحسين وتطوير حياة الناس.

حياة الناس – أي ناس – المستمرة في كنف كورونا وتحوراتها وموجاتها ولقاحاتها تستحق تحديد أولويات، وتحويلها إلى سياسات في ضوء الإمكانات. هذه السياسات وتلك الإمكانات ستجد نفسها في صراع مع الزمن، حيث السياسة تحتمل الانتظار والإمكانات تطيق التأجيل، لكن كورونا علمتنا أنها لا تنتظر ولا تعترف بالتأجيل، وهو ما يعيدنا إلى أهمية ووجوب «التعاون الدولي في مواجهة الأزمات».

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …