بقلم: حسام ميرو – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – تحمل التصريحات الروسية والصينية الرسمية تجاه حركة «طالبان» طابع الحذر، فقد رمت الحركة الكثير من الوعود لجميع دول الجوار، كما أن بكين وموسكو لم تبديا أية شماتة بالانسحاب الأمريكي، بل عبرا عن دهشتهما لطريقة الانسحاب، والأهم الآن بالنسبة لهما هو ما ستؤول إليه الأوضاع في بلد «مقبرة الإمبراطوريات». وعلى الرغم من أن المحادثات السياسية والأمنية لم تنقطع مع الحركة خلال العشرين عاماً الماضية، إلا أن الوضع الراهن مختلف كلياً، فـ«طالبان» تعود بقوة، وكل العمل الجبار للأطلسي لم يتمكن من إنهاء قوتها، ومن الناحيتين التنظيمية والعسكرية تمكنت من الصمود في أقسى الظروف، مع علاقات متشعبة خارج أفغانستان من تنظيمات وحكومات، وهي اليوم تتحوّل إلى سلطة.
لا شك أنه عبر ودروس الماضي حاضرة في أذهان صنّاع القرار في موسكو وبكين، وهو ما يفسر إلى حدّ بعيد الحذر في التصريحات، كما يجعل من المتوقع أن تكون هذه السياسة الأولية مراجعة ذات طابع براغماتي، بتصورات جديدة للتعامل مع الحركة التي ينبغي عليها أن تتصرّف كنظام حكم، وهو ما يعني بالضرورة أن مطالب بكين وموسكو تتعلق بشكل رئيس بضبط الأمن في أفغانستان، ومنع انطلاق أية هجمات لجماعات صديقة للحركة ضد أهداف صينية على وجه الخصوص.
التنسيق الروسي الصيني تجاه أفغانستان في قضايا الأمن في شرق آسيا يتمّ عادة بشكل مباشر أو من خلال «منظمة شنغهاي للتعاون»، والتي تضم إلى جانب روسيا والصين، كل من كازاخستان، وقرغيزستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان، ولدى هذه المنظمة مناورات عسكرية منتظمة، وتعدّ موسكو المزوّد الرئيسي لها بالأسلحة، ولئن كان أي تنسيق داخل المنظمة غايته ضمان الأمن الإقليمي بالدرجة الأولى، لكن لا يمكن إهمال أوجه التقارب بين أنظمة الحكم فيها، والخلفية الأيديولوجية، وهو ما لا ينسجم بأي شكل من الأشكال مع حركة «طالبان» وخلفيتها الأيديولوجية، أو نظام الحكم الذي ستسعى إلى تطبيقه.
السيناريو الأكثر ترجيحاً لسلوك التعاون الروسي الصيني في الملف الأفغاني سيتخذ طابع خطوة – خطوة، خصوصاً أن الحركة بعد عودتها إلى السلطة سيكون أمامها مهام كثيرة وشائكة، في ضوء وجود قوى محلية قد تتخّذ سلوكاً مقاوماً لهيمنة الحركة على كامل الأرض الأفغانية، بالإضافة إلى التحديات المتعلقة بالاقتصاد، وتأمين الأموال اللازمة لبناء المؤسسات، ودفع رواتب الموظفين، واحتياجات السكان من المواد الأولية المتعلقة بضرورات المعيشة اليومية، وكل ذلك يجعل من المتوقع أن تستمر الحركة في تقديم خطاب يقوم على التعاون مع دول الإقليم، وعدم الاندفاع نحو مواجهات تؤثر في أهدافها في ترسيخ حكمها.
من الناحية الاقتصادية، ووفقاً لتاريخ علاقاتها التجارية، فإن الصين قد تفتح الباب مع كابول لبعض أوجه التعاون التجاري، أو تقدّم لها إمدادات إنسانية، لكن من غير المتوقع أن تغامر في إقامة استثمارات كبيرة، وستنتظر إلى أن تتضح صورة الأمن والاستقرار، خصوصاً مع وجود لاعبين آخرين (باكستان، وإيران، وتركيا)، وإذا كانت الصين بكل إمكاناتها لن تغامر في الاستثمار الاقتصادي، فإن موسكو أيضاً ستمضي في الاتجاه ذاته، ليس نظراً للحساسيات التاريخية بين الجانبين الروسي والأفغاني وحسب، بل أيضاً لأنه من المشكوك فيه أن تكون الأوضاع قابلة للاستقرار في وقت قريب، كما أن مصادر التمويل والمنح الخارجية لن تكون متوفرة في الأمد المنظور.
موسكو وبكين ليس لديهما في علاقاتهما الخارجية دفتر شروط مثقل بمطالبات حقوق الإنسان على غرار الاتحاد الأوروبي، ولهذا فإن هذا يسهل إلى حدّ كبير تنشيط علاقات متدرجة مع الحكم الجديد في كابول، في محاولة للبقاء على مسافة قريبة من صناعة القرار، وفرض مطالب أمنية محددة، من مثل ترحيل الكثير من المطلوبين غير الأفغانيين، أو تسليم بعضهم، وتجفيف منابع تمويل بعض الجماعات العابرة للحدود، والقبول بدخول جماعات إثنية أخرى لتكون شريكة في الحكم.
لكن على الرغم من وجود أهداف مشتركة عديدة بين روسيا والصين في أفغانستان، لكن هذا لا يمنع موسكو من القلق تجاه تحولات صينية مفاجئة، لزيادة تأثيرها في أفغانستان، ما يعني حضوراً أقوى للصين في الجوار الروسي، وهو ما ستعمل موسكو من أجل منعه، ما قد يحوّل العلاقة بين بكين وموسكو من تعاون إلى تنافس.