بقلم: عمرو الشوبكي – المصري اليوم
الشرق اليوم – الاشتباكات التي تشهدها العاصمة الليبية طرابلس، منذ نهاية الأسبوع الماضي، ليست الأولى، ولن تكون بكل أسف الأخيرة، فقد جرت اشتباكات عنيفة بين قوة دعم الاستقرار التابعة للمجلس الرئاسي، والتي أنشأها رئيس الوزراء السابق، فايز السراج، والتي أثارت اعتراضات واسعة، وبين اللواء 444، التابع لرئاسة الأركان بمحيط منطقة صلاح الدين.
واللافت هو في طبيعة الاتهامات التي وُجهت إلى كل طرف، والتي تؤكد أن قضية الميليشيات لا تخص فقط المرتزقة الأجانب، إنما تخص أيضًا قوى ليبية.
فقد اتُّهم آمر اللواء 444 بفتح حساب مستقل وتلقي أموال من الخارج، وهو أمر ينسف من الأساس مفهوم الجيش الوطني، ويحول اللواء إلى ميليشيا لا علاقة لها بتقاليد المؤسسة العسكرية.
صحيح أن قوة دعم الاستقرار عليها تحفظات كثيرة، واتهم كثيرون رئيس الوزراء السابق بأنه أسّسها لترضيات قبلية ومناطقية، كما أن قائد اللواء 444 اتهمها بأنها هي التي هاجمت مقاره، ونفى الاتهامات الموجهة إليه.
والحقيقة أن الأزمة في ليبيا ليست فقط بين الشرق والغرب، ولا بين الجيش الوطني الليبي، بقيادة «حفتر»، والقوات الحكومية في طرابلس، ولا فقط بين ميليشيات ومرتزقة أجانب ينتهكون السيادة الليبية، إنما هي أيضًا بين فصائل متناحرة في طرابلس، قليل منها قوات عسكرية نظامية ومنضبطة، وأغلبها ميليشيات تعبر عن مناطق أو قادة تنظيمات عقائدية أو مجموعات تسيطر على أحياء.
فقد شهدت البلاد، الأسبوع الماضي، اشتباكات مسلحة بين ميليشيات محمد البحرون، التابعة لمدينة الزاوية، وميليشيا جهاز دعم الاستقرار جنوب مدينة الزاوية غرب البلاد.
كما جرى، العام الماضي، استعراض مسلح بين وزير داخلية حكومة الوفاق في ذلك الوقت، فتحي باشاغا، وحكومة «السراج»، حيث رد الرجل على قرار إحالته إلى التحقيق ووقفه عن العمل بأن خرج من المطار عائدًا من تركيا بصحبة مئات السيارات المُصفَّحة وعشرات الجنود، وهتاف أنصاره: «مصراتة وباشاغا يد واحدة»، ولم يمسّ الوزير طبعًا لأن الموضوع لم تكن له علاقة بصحة الاتهامات الموجهة إليه، إنما بصراع بين ميليشيا في طرابلس وأخرى في مصراتة.
إحدى أزمات ليبيا وإحدى أبرز صور الصراع هي في عدد الميليشيات الرئيسية، التي تبلغ 30 ميليشيا، وداخل كل منها عشرات الفصائل والمجاميع، التي يُقدرها البعض بحوالى 1600 فصيل، كثير منها في طرابلس، وبعضها في الشرق، وبعضها الثالث مرتبط بقبائل ومناطق، بالإضافة إلى حوالي 8 آلاف مقاتل متطرف جلبتهم تركيا من سوريا، ومئات من عناصر فاجنر الروسية.
ستبقى أزمة ليبيا في جوهرها أنها ليست مجرد صراع بين فرقاء سياسيين مطلوب أن يتوافقوا ويوقعوا على اتفاق سلام، إنما في إعادة بناء مؤسسات الدولة الليبية، وفي القلب منها المؤسسة العسكرية، التي باتت منقسمة بين الشرق والغرب، وفي داخل الأخيرة هناك انقسامات أخرى مطلوب مواجهتها حتى تتم عملية توحيد وإعادة بناء المؤسسات.