بقلم: يونس السيد – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – أعاد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وما رافقه من أحداث وتداعيات، بما في ذلك مشهد عمليات الإجلاء في مطار كابول، خلط الأوراق لدى الحلفاء والأعداء على حد سواء، وفي المقدمة إحياء النزعة «الاستقلالية» لدى أوروبا، وإنهاء الاعتماد على مظلة الحماية الأمريكية التي توفرها واشنطن للقارة العجوز، والعودة إلى بناء قوة أوروبية مستقلة قادرة على الدفاع عن أوروبا ومصالحها على مستوى العالم بمعزل عن الولايات المتحدة.
ومع أن فكرة «الاستقلال» الأوروبي مطروحة على الطاولة منذ وقت طويل بزعامة ألمانيا وفرنسا، فإن قرار الانسحاب من أفغانستان قفز بها إلى رأس أولويات الاتحاد الأوروبي، بعدما قدمت واشنطن درساً مهماً مفاده تأمين مصالحها أولاً، بغض النظر عن الشركاء المحليين والدوليين؛ إذ سرعان ما وجد الأوروبيون أنفسهم وهم شركاء حلف «الناتو» في موقف ضعيف خلال عمليات الإجلاء، خصوصاً بعد أن تبين لهم أنهم غير قادرين على تأمين مطار كابول بمعزل عن واشنطن، وبالتالي، فإن مجمل قراراتهم وتحركاتهم بدت وكأنها ملحقة بالقرارات والتحركات الأمريكية.
وحتى المفاوضات التي أجراها الاتحاد الأوروبي وبريطانيا مع حركة طالبان لتأمين إجلاء ما تبقى من الرعايا الأوروبيين والمتعاونين الأفغان، بدت كظل للمفاوضات التي كانت تجريها الولايات المتحدة مع الحركة. وفي هذا الصدد يُقر رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، بأن الاتحاد الأوروبي يجب أن يتخذ إجراءات تمكّنه من الاستعداد بشكل أفضل لعمليات الإجلاء العسكرية لرعاياه في مواقف مثل ما حدث في أفغانستان خلال الأسابيع الأخيرة، فيما اعترف وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب، بأن حكومته قد تحتاج إلى «تطوير قدراتها حتى تتمكن من العمل على مهام عسكرية معينة في المستقبل بدون الولايات المتحدة».
ما حدث في أفغانستان لم يكن سوى جرس إنذار أيقظ الأوروبيين من سباتهم، ودفع قادة الاتحاد إلى البحث عن إعادة صياغة العلاقات بين أعضائه على نحو يعيد الاعتبار لهيبة القارة العجوز، ويؤكد قدرتها على الدفاع عن نفسها وعن مصالحها في العالم بمعزل عن الولايات المتحدة.
وأوروبا تُدرك هذا الأمر جيداً، وتعي أن هناك فرقاً بين التبعية والشراكة والتحالف، لكنها أيضاً ربما تدفع ثمن حربين عالميتين خاضتهما خلال القرن الماضي؛ إذ على الرغم من أنها انتصرت فيهما، فإنها استنزفت وضعفت إلى الحد الذي سمح للقوة الأمريكية الصاعدة آنذاك، بمحاولة بسط سيطرتها وفرض هيمنتها على الساحة العالمية، بما في ذلك الحلفاء. ولقد حاولت أوروبا الرد عن طريق الوحدة وإقامة الاتحاد الأوروبي، وتزعمت ألمانيا وفرنسا فكرة إنشاء جيش أوروبي موحد، وبناء أوروبا قوية قادرة على الدفاع عن نفسها وعن مصالحها، فيما كانت الرغبة الأمريكية أكثر جموحاً لربط مصالحهما الاقتصادية وتوثيق صلاتهما العسكرية عبر حلف «الناتو»، وإشهار ورقة التهديد الروسي والصيني، لكن الأوروبيين أدركوا أن هذا الأمر قد يتبخر بين عشية وضحاها؛ إذ كان الرئيس السابق دونالد ترامب على وشك الخروج من الحلف، بينما درس أفغانستان لا يزال ماثلاً للعيان.