الرئيسية / مقالات رأي / كامالا هاريس في آسيا.. دلالات الجولة

كامالا هاريس في آسيا.. دلالات الجولة

بقلم: جينفر روبن – صحيفة “الاتحاد”

الشرق اليوم – تزامنت زيارة نائبة الرئيس الأميركي كمالا هاريس إلى جنوب شرق آسيا مع انهيار الحكومة الأفغانية والهجوم المميت الذي استهدف القوات الأميركية وأسفر عن مقتل 13 أميركياً وأعداد من الأفغان. وقد كان من الصعب إيجاد تغطية لزيارتها في وسائل الإعلام الأميركية، التي كانت منشغلة بالأحداث في أفغانستان. ولكن على نحو مفاجئ، أبرزت الزيارة حجة ما فتئت تدفع بها إدارة بايدن، ألا وهي أن أفغانستان ليست أكبر مصدر قلق بالنسبة لواشنطن. ذلك أن الولايات المتحدة لديها مشاكل أهم بكثير مرتبطة بالأمن القومي والاقتصاد في أماكن أخرى من العالم، وخاصة في آسيا. والواقع أن الحديث عن «استدارة إلى آسيا» متواصل منذ عشرين عاماً، ولكن بينما كنا ننفق المليارات من أجل خوض حرب لم يكن من الممكن حقاً كسبها، كانت الإدارات السابقة عاجزة عن التركيز على الصين وتحالفاتنا الآسيوية، بغض النظر عن الجهود الحثيثة التي تبذلها.

والواقع أن زيارة هاريس لم تكن مضمونة. فزيارتها الخارجية الأولى خارج الأميركيتين كان يمكن أن تكون إلى أوروبا أو الشرق الأوسط. ولكن بدلاً من ذلك، اختارت نائبة الرئيس الأميركي جنوب شرق آسيا، رغم المخاوف من كوفيد -19. وقد أخبرتني مصادر من وزارة الخارجية الأميركية بأنه بينما كان الوضع في أفغانستان يتدهور، طُرح السؤال حول ما إن كان ينبغي للزيارة أن تمضي قدماً أم لا.

ولكن هاريس أبدت تأييداً قوياً للإبقاء على الزيارة في تاريخها المقرر. وفي رد فعلهم، عبّر المسؤولون في سنغافورة وفيتنام، سواء في المجالس العامة أو الخاصة، عن تحمسهم للإبقاء على الزيارة في موعدها. ولا شك أن العدول عنها كان سيبعث برسالة خاطئة مفادها أن الإدارة الأميركية في حالة انسحاب، أو أنها لا تكترث لعلاقتنا المستقبلية مع آسيا بقدر ما تكترث للانسحاب من حرب دامت عشرين عاماً. هاريس كان بمقدورها الإشارة إلى سلسلة من «الإنجازات» المهمة في فيتنام، مثل المساعدة بخصوص كوفيد – 19، والالتزامات الجديدة بخصوص الطاقة الخضراء، والتعاون الأمني، وخفض الرسوم الجمركية.

وفي وقت كانت تشبّه فيه وسائل الإعلام الأميركية سقوط كابول بسقوط سايغون، شكّل هذا الأمر تذكيراً بأن الولايات المتحدة لم تخض حرباً عديمة الجدوى إلى ما لا نهاية، بل قررنا طي صفحة الماضي والتقدم إلى الأمام، ونفوذنا اليوم في المنطقة بات أقوى مما كان عليه في السبعينيات. وخلال مؤتمر صحفي في فيتنام، سأل الصحافيون هاريس عن أفغانستان بالطبع، ولكن المؤتمر بأكمله تقريباً تركز على تعزيز العلاقات مع فيتنام في عدد من الجبهات. وفي هذا الصدد، قالت هاريس: «إنني أول نائبة رئيس تزور فيتنام منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية في 1995. وأعتقد أن هذه الزيارة تؤشر إلى بداية الفصل المقبل في العلاقة بين الولايات المتحدة وفيتنام».

وكان هذا في تباين قوي مع الصورة التي رسمتها بعض وسائل الإعلام بخصوص أفغانستان من أن الولايات المتحدة زعزعت حلفاءها وأثارت أسئلة بشأن التزاماتها. كما أثارت هاريس موضوع حقوق الإنسان في محادثاتها مع فيتنام. وأشارت إلى أنها ضغطت على المسؤولين في المجالس الخاصة بخصوص موضوع المعارضين السياسيين، كما ألقت الضوء على لاعبي المجتمع المدني. وقالت في مؤتمرها الصحافي: «إننا لن نتحاشى الحوارات الصعبة». التباين بين القلق بشأن مكانة أميركا في العالم والمؤشرات على تصميمنا على تحسينها كان أوضح في سنغافورة. ولا شك أن تصريحات رئيس الوزراء السنغافوري «لي هسين لونج» في مستهل المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده مع هاريس كانت جد دالّة ومعبِّرة: «لقد ورثت إدارة بايدن وضعاً صعباً للغاية.

فقد بذلت الولايات المتحدة قدراً معتبراً من الدماء والأموال في أفغانستان، ولكنها كانت مهمة مستعصية نظراً للتاريخ والجغرافيا والتنافس القبلي المعقد للمكان. وكان رؤساء أميركيون متعاقبون قد أعلنوا تصميمهم على الانسحاب من أفغانستان. ولهذا قلتُ لنائبة الرئيس إننا نتفهم أسباب قرار الرئيس بايدن. فالتدخل الأميركي منع التنظيمات الإرهابية من استخدام أفغانستان كقاعدة آمنة لعشرين عاماً. وسنغافورة ممتنة لهذا. ونأمل ألا تصبح أفغانستان بؤرة للإرهاب من جديد.

وما يهم بعد حرب أفغانستان، على المدى الطويل، هو كيف ستعيد الولايات المتحدة التموضع في منطقة آسيا المحيط الهادي، وستتعامل مع المنطقة الأكبر، وستواصل القتال ضد الإرهاب لأن ذلك هو الذي سيحدِّد تصورات البلدان، وتصورات أولويات الولايات المتحدة العالمية، وتصورات نواياها الاستراتيجية». ولا شك أن هذا لا يتناغم مع سردية البلد المنبوذ من قبل حلفائه التي تفضلها بعض وسائل الإعلام. وفي خطاب ألقته في سنغافورة، تناولت هاريس موضوع أفغانستان بشكل مقتضب، ثم انتقلت إلى الموضوع الرئيسي لخطابها. فأعادت التأكيد على التزامات الولايات المتحدة الأمنية.

وتعليقاً على هذا الموضوع، يحاجج جونثان سترومسيث من مؤسسة «بروكينجز إنستيتيوشن» بأنه «إذا أعقبت زيارةَ هاريس دبلوماسيةٌ قوية مقرونة بالموارد، فحينها ربما سيتسنى أخيراً تحقيق الاستدارة إلى آسيا، أو سياسة إعادة التوازن التي تبنتها إدارة أوباما، في وقت تصبح فيه الولايات المتحدة أقل انشغالاً بهذه الحروب التي لا تنتهي في الشرق الأوسط». والأكيد أن فكرة قلق الحلفاء في أجزاء أخرى من العالم، وتخوفهم من أن تتخلى الولايات المتحدة عن مصالح حالية مشتركة لأنها تتخلى عن التزامات عسكرية في أفغانستان، لم يكن واضحاً في اجتماعات هاريس مع مسؤولي أي من البلدين.

وقال مسؤولون من وزارة الخارجية الأميركية إن اجتماعات هاريس الثنائية تجاوزت الفترة الزمنية المحددة وقدّروا أن 95% منها ركز على المواضيع المطروحة للنقاش وأن 5% على أفغانستان. والواقع أن البلدان الأخرى حول العالم، وعلى نحو غير مفاجئ، تكترث لنفسها ولمشاكلها الإقليمية. وقد كانت هاريس هناك من أجل إعادة التأكيد على أننا نعمل بأقصى طاقتنا على تعزيز علاقتنا مع الحلفاء في جنوب شرق آسيا في وجه التهديدات العسكرية والاقتصادية والسيبرانية. وبذلك، أبرزت أن الإدارة الحالية تريد تقريب حلفاء الولايات المتحدة منها أكثر بدلاً من الابتعاد عنهم.

شاهد أيضاً

أوكرانيا

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– فى العادة فإن الاستدلال عن سياسات إدارة جديدة يأتى من …