بقلم: العنود المهيري – النهار العربي
الشرق اليوم – بدا أن “طالبان” تدخل كابول من جهة، وتكبيرات النصر تصدح بالإنكليزية على الجهة الأخرى على صفحات “واشنطن بوست”، والتي تمشي على خطى استكتابها للإرهابي محمد الحوثي في 2018.
لقد استماتت وسائل الإعلام الغربية بقيادة “سي إن إن” و”بي بي سي” و”النيويورك تايمز” في الترويج للنسخة 2.0 المعدّلة من “طالبان” في مواقفها من النساء. قالوا إنها “طالبان” ما بعد “مساحيق التجميل”، “طالبان” التي سلخت عنها جلدها الاجتماعي المتصلب بالأصولية والميسوجينية، وباتت تعد باحترام المرأة.
ثم إذ بصور العارضات تشوّه على واجهات المحلات، والنساء يطردن من وظائفهن في المصارف، ومنع تجوال النساء من دون محرم يطبّق في بعض المناطق.. لم تتغير “طالبان”.
فهل تساءلنا كيف أصلاً نصّب هذا الغرب نفسه ترمومتراً يقيس منسوب “الإصلاح” الذي من المفترض بالنساء الأفغانيات تحمّله، وازدراده على مضض؟ ومن سمح لهم بتحديد أي إدراك جحيم التشدد الإسلامي على الأفغانيات التعايش معها؟
لماذا يتوقع هذا الغرب من الأفغانيات التفاوض مع “طالبان” على كرامتهن الإنسانية، ومجرد اعتبارهن بشراً، بينما يستنكر مثقفوه ونسوياته أموراً تبدو كالرفاهيات اللطيفة بالنسبة إلى النساء الأفغانيات، مثل فارق الرواتب بين الجنسين، وفرض الضرائب على الفوط النسائية، واستبعاد الرياضيات العابرات جنسياً؟ ولماذا يفترضون أن الأفغانيات خُلقن بمعدات فولاذية مُعدة لأن تهضم ما لا تطيقه الغربيات من الظلم والتضييق؟
فلما أعلنت “طالبان” “الجديدة” تمسكّها بإلزامية الحجاب للنساء، رفع الغرب إبهامه موافقاً.
ولما أصرت “طالبان” على تطبيق مفهومها للشريعة، ما سيعني غالباً الاستمرار في جلد “الزانيات” وإباحة ضرب “النواشز”، أومأ الغرب برأسه مؤيداً.
ولما أكدت “طالبان” “تكرّمها” على الفتيات بالحق في الدراسة، كاد الغرب ينحني لتقبيل يديها امتناناً، وكأنما قرر مسبقاً أن القراءة والكتابة ستكونان أقصى طموحاتهن.. لم تتغير “طالبان”.
بل لم تتحول فعلياً سوى المبادئ النسوية المزعومة منذ أن كانت لورا بوش، السيدة الأميركية الأولى، تدّعي أن “تحرير النساء الأفغانيات” هو أحد مبررات الحرب التي يشنّها زوجها!
لقد كانوا مستعدين للتظاهر بأن حرباً تكلّفهم ما يقدّر بمئة مليار دولار في السنة، وأكثر من ألفي جندي قتيل، هي ثمن معقول لنزع البرقع الأزرق عن النساء. والآن أصبحت النساء إياهن مطالبات بالبحث عن بصيص الضوء بين فتحاته الضيقة.
ولم يتبدّل واقعياً إلا الخطاب الحقوقي منذ أن كانت التبرعات تُجمع لحملة “إنهاء الفصل العنصري بين الجندرين في أفغانستان”، والتي أطلقتها منظمة “فيمينيست ماجوريتي فاونديشن” النسوية غير الربحية أواخر التسعينات.
بالطبع، لقد عاد الفصل الجندري مع عودة “طالبان”، ولكنه -وبقدرة قادر- لم يعد يستدعي القلق بعد عقدين من الزمن، بل صار خصوصية محببة أخرى للحياة المحافظة التي على الأفغانيات التكيف معها.
فأليس مؤسفاً أن يثبت تنظيم إرهابي اعتاد على رجم النساء حتى الموت أنه أصدق وأشد وضوحاً من النخب المثقفة في الغرب؟