بقلم: مرح البقاعي – العرب اللندنية
الشرق اليوم- “على الحزب الجمهوري أن يلجأ إلى صناديق الاقتراع للاستفتاء على أداء الرئيس جو بايدن في خروجه من أفغانستان، لأن عزله لا يمكن أن يحدث في ظل هيمنة الديمقراطيين على مجلسيْ الشيوخ والنواب الأميركيين في آن”.
هكذا تحدّث زعيم الأقلية الجمهورية السيناتور ميتش ماكونل، حين ألحّ عليه أعضاء حزبه بضرورة مطالبة الرئيس بالاستقالة، أو مساءلته ثم عزله عن موقع الرئاسة حين تثبت التحقيقات تقصيره في تقييم طبيعة الوضع الميداني في أفغانستان قبيل انسحاب القوات الأميركية وما نتج عنه من انهيارات أمنية وسياسية وإنسانية.
ودعا ماكونل الشعب الأميركي إلى الإدلاء برأيهم حول أداء إدارة بايدن من خلال أصواتهم في الانتخابات النصفية القادمة في العام 2022، وهناك يكون الحساب الحقيقي لساسة البيت الأبيض كما أشار.
تأتي تصريحات ماكونل وسط تزايد الدعوات المطالبة بعزل الرئيس بسبب طريقة انسحابه من أفغانستان، ومسؤوليته عن الفوضى العارمة في محيط مطار كابول أثناء عمليات الإجلاء ما سمح باختراق أمني خطير لمنظمة داعش الإرهابية وتنفيذها لتفجير انتحاري خلّف 13 قتيلا أميركيا من الجيش الأميركي، وجرح العشرات من المدنيين العزل ممن كانوا ينتظرون أمام البوابات للهروب في أول طائرة تحملهم خارج البلاد، بينما تقطعت السبل إثر حادث الانفجار بالمئات من الأميركيين والأجانب إلى جانب الآلاف من الأفغان الذين عملوا مع الولايات المتحدة من الذين تعذّر عليهم الوصول إلى طائرتهم في الوقت المحدّد.
وفي ظل تقدّم حظوظ الجمهوريين في الانتخابات القادمة وإمكانية استرجاعهم للأغلبية في المجلسين بسبب الغضب الشعبي الواسع مما آلت إليه الحال في أفغانستان والإخفاق الأميركي هناك في إنجاز انسحاب منظم وآمن للأميركيين والمتعاونين معهم من الأفغان خلال العشرين سنة الماضية، وبالرغم من دعوة الزعيم الجمهوري الأبرز إلى التركيز على خوض الانتخابات بنجاح والفوز بها بدلا من صرف الوقت على مشروع عزل بايدن ذي الحظوظ الشحيحة في النجاح، إلا أن بعض المتشددين في الحزب يرفضون تماما أن يتمّ التغاضي عن محاسبة البيت الأبيض ممثلا بالرئيس ونائبه كامالا هاريس، وكذا وزيريْ الخارجية والدفاع، ومساءلتهم عن مسؤوليتهم عن مجريات الحدث الأفغاني.
السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، وخلال ظهور تلفزيوني له في أحد البرامج الحوارية السياسية الأكثر شعبية ومتابعة في الولايات المتحدة “واجه الأمة”، دعا إلى عزل بايدن لأنه يعتقد أن الرئيس “مهمل لمهامه كقائد عسكري”. وأشار غراهام في الحوار إلى المسؤولية المباشرة لبايدن، بقوله “لا أعتقد أن الرئيس بايدن قد تلقى نصيحة سيئة وتقبّلها، بل أعتقد أنه تجاهل النصائح السليمة”.
أما في الطرف الآخر من المشهد السياسي في واشنطن، فيقف الديمقراطيون بقوة ليدافعوا عن موقفهم وقراراتهم خلال الأيام الأخيرة من الخروج الأميركي المتعثّر، والذي تحوّل إلى معضلة سياسية أصابت أروقة القرار بزلزال لا يُعرف حتى الآن حجم ارتداداته والمسافة الزمنية التي سيمتد عليها.
الرئيس بايدن أعلن أنه يتحمل المسؤولية كاملة عن قرار انسحاب الجيش الأميركي من أفغانستان في الوقت الذي ألقى اللوم على الرئيس السابق دونالد ترامب، وعلى الاتفاق الذي وقعه مع قيادات طالبان في العام 2020 ووجد نفسه مضطرا لتنفيذ بنوده حال وصل إلى البيت الأبيض. ومن جهة ثانية يحمّل بايدن جزءا كبيرا من المسؤولية للقوات العسكرية والأمنية الأفغانية بسبب إخفاقها في الدفاع عن العاصمة ما أدى إلى وقوعها بأيدي حركة طالبان خلال ساعات من مغادرة الرئيس الأفغاني للبلاد بمحض اختياره.
وفي حين أشار الرئيس في أول خطاب له إثر إنجاز انسحاب القوات الأميركية كاملا في الحادي والثلاثين من أغسطس الماضي حسب الموعد المحدد لها إلى عدم توفر “الإرادة في تحقيق النصر” لدى الجيش الأفغاني الذي أنفقت الولايات المتحدة على تدريبه وتجهيزه المليارات من الدولارات، إلا أن هذا لم يكن كافيا ليبرّر للرأي العام الأميركي حجم الفوضى والتخبط اللذين شابا عملية الانسحاب، ناهيك عن المعلومات الاستخبارية التي تواردت إلى الرئيس بايدن منذ أشهر عدة بأن سقوط العاصمة في يد طالبان هو أمر وشيك، وتأكدت تلك المعلومات في لقائه الأخير في البيت الأبيض بالرئيس الأفغاني أشرف غني، الذي نقل له صورا من تصاعد العنف في البلاد منذ إعلان خطة الانسحاب الأميركي في شهر أبريل الماضي، ما حفّز مقاتلي طالبان على شنّ هجمات واسعة والسيطرة على مناطق ومعابر حدودية مهمة وتطويق العديد من عواصم الأقاليم والاستيلاء عليها.
فصل المقال يكمن في السؤال الذي يشغل الإدارة الأميركية والعالم، هل كان هناك سيناريو أفضل للخروج الأميركي دون أن تترتب عليه تلك المآسي التي بلغت ذروتها في الانفجار المرعب الذي طال العسكريين والمدنيين على أسوار مطار كابول وأدى إلى خسائر بشرية وسياسية فادحة؟
أفغانستان تُركت لتقلّع شوكها بيدها ولتخوض وحيدة التجربة الطالبانية بنسختها الجديدة التي يقول زعماؤها إنها تختلف في أساليب الحكم عما كانت عليه في العام 2001 مع التزامها بالمبادئ الأساسية التي قامت عليها الحركة ومرجعياتها الشرعية الثابتة.
ومع تسريب أنباء ملاحقة الحركة للمترجم الخاص لجو بايدن إثر تعثّر خروجه من أفغانستان مع الخارجين، وهو الذي رافق بايدن حين كان نائبا للرئيس باراك أوباما خلال زيارته أفغانستان في العام 2008 وكان عونا له حين الهبوط الاضطراري لطائرة الهليكوبتر التي كانت تقلّه والوفد المرافق، يبقى السؤال مفتوحا: ماذا بعد أفغانستان.. هل ستشهد الولايات المتحدة في عهد بايدن الذي ما زال في عامه الأول المزيد من الانسحابات العسيرة من المنطقة؟ نتساءل ويتساءل العالم بدهشة!