بقلم: علي قباجة – حيفة الخليج
الشرق اليوم- طوت الولايات المتحدة أطول حرب بتاريخها في 31 آب/ أغسطس بعد انسحاب آخر جندي لها من أفغانستان، تاركة البلاد في فوضى لا مثيل لها، انعكست بشكل جليّ على صورتها التي اهتزت بعدما تعلق آلاف الأفغان بالطائرات، دون أن تتمكن من إجلاء الكثير منهم رغم وعودها السابقة بعدم تركهم وحدهم ليواجهوا مصيرهم المجهول، ثم “توديعهم” قبل رحيلهم بساعات بانفجار ضخم قرب مطار كابول نفذه تنظيم “داعش” الإرهابي ليقتل منهم 13 جندياً على الأقل وجنديين بريطانيين، ليكون الهدف المعلن من الحرب المتمثل بالقضاء على الإرهاب ومنع أخطاره في مهب الريح، إذ إنه استهدفهم حتى الرمق الأخير، في حين لا ضمانات لعودته إلى سابق عهده وامتداده إلى خارج حدود أفغانستان، ووصوله إلى الأراضي الأمريكية.
بعد 20 عاماً أصبحت “طالبان” تسيطر على البلاد من شرقها إلى غربها ومن جنوبها إلى شمالها باستثناء بعض الجيوب، التي تحارب لضمها.
نهاية لا تحسد عليها الولايات المتحدة، بعدما قتل في حربها 2356 عسكرياً وجرح عدة آلاف آخرين، وإنفاق ما يقدر بنحو2.3 تريليون دولار في مسعى للانتصار على “طالبان”، إلا أن سياسيين أمريكيين وخبراء وحتى الرئيس السابق دونالد ترامب التي وقعت إدارته على الانسحاب، أجمعوا أن الخروج بهذا الشكل يعد هزيمة قاسية لأمريكا، مقابل انتصار كبير للحركة.
الجمهوريون رأوا أن الانسحاب الذي تم في عهد بايدن يعتبر فشلاً مذلاً وهزيمة تفوق عملية الإجلاء عام 1975 من سايجون، لكن الرئيس الديمقراطي سرد مجموعة من المبررات، وحاول الظهور على “أنه الرئيس الشجاع بعد إقدامه على ما كان الجميع يعلم أنه حتمي”، حيث أكد أن ما حصل لا يعد إخفاقاً بل هروباً من كابوس، لكن رغم مبرراته، إلا أن طريقة الخروج صدمت الأمريكيين، رغم إجماعهم على ضرورة إنهاء هذه الحرب، وما فاقم حدة الانتقادات هو أن عملية الإجلاء بأكملها حدثت فقط لأن “طالبان” سمحت بها.
إضافة إلى ذلك، فإن معضلات أخرى باتت تواجه الإدارة الأمريكية وهي تمدد الصين وروسيا ليحلا مكان الولايات المتحدة، فمؤشرات كثيرة تؤكد مضي الدولتين نحو تطبيع علاقاتهما مع “طالبان”، حتى يضمنا موقع قدم في أفغانستان، وهو الأمر الذي سيضع واشنطن في موضع حرج، لأنها فتحت المجال على مصراعيه لمنافسين لدودين، لتعبئة الفراغ، ما قد يؤثر في صورتها أمام الحلفاء الآسيويين الذين ما زالوا في موقع مواجهة النفوذ الصيني.
وأياً يكن، فالخاسر الأكبر، هي أفغانستان التي لم تلتقط أنفاسها من حرب حتى تبدأ فيها حرب أخرى، تمنع البلاد من التقدم، وتحطم آمال الشعب بعيش كريم، في حين أن الكبار يرون في هذه الحروب باباً لتحقيق مصالحهم على حساب الشعوب الأخرى.