الشرق اليوم- حين سُئِل ضباط استخباراتيون أمريكيون وبريطانيون سابقون عن مشاركة اليابان في تحالف “العيون الخمس” الاستخباري، زعموا أنها خطوة معقدة لأن اليابان تختلف من حيث الثقافة واللغة، لكن هذا الوضع تغيّر بكل وضوح في السنوات الأخيرة.
في السنة الماضية، أطلق رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون تعليقات إيجابية حول انضمام اليابان إلى التحالف، كذلك، كتب نائب وزير الخارجية الأمريكي السابق، ريتشارد أرميتاج، أن الولايات المتحدة واليابان يجب أن تبذلا جهوداً جدّية لإنشاء شبكة “العيون الست”. ونظراً إلى التوسع البحري الصيني الأخير في جنوب شرق آسيا، يبدو الاتفاق الإقليمي بين تحالف “العيون الخمس” واليابان حتمياً، لكن لم تحرز المحادثات أي تقدم حتى الآن. بعد الحرب العالمية الثانية، امتنعت الحكومة اليابانية عن إنشاء مجتمع استخباري قوي لأن الرأي العام الياباني عارض التورط في عالم الاستخبارات المظلم، وفي الوقت نفسه، كانت اليابان تستطيع الاتكال على الاستخبارات الأمريكية خلال الحالات الطارئة، ونتيجةً لذلك، لم ينشأ جهاز استخباري خارجي مثل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أو جهاز الاستخبارات البريطاني، فزادت صعوبة مشاركة اليابان في الاستخبارات البشرية ضمن التحالف الأمني الغربي. لكن اليابان عمدت إلى تقوية قدراتها الدفاعية والأمنية تدريجاً على مر العقود، وتدير الحكومة اليابانية الآن برنامج الأقمار الاصطناعية لجمع معلومات الاستطلاع العالية الأداء، حيث يقال إن النسخة الأخيرة التي انطلقت في عام 2020 تسمح برصد الرؤوس البشرية من الفضاء الخارجي، كذلك، تُخطط الحكومة اليابانية لإطلاق “نظام الأقمار الاصطناعية 10″، حيث تستطيع الأقمار الاصطناعية أن تحسّن قدرات جمع الاستخبارات في تحالف “العيون الخمس”، بما أن معظم أعضائها يتكلون على نظام الأقمار الاصطناعية الأمريكي، حيث يتفوق البرنامج الياباني أيضاً لأنه يستطيع تحليل مناطق في شرق آسيا، مثل الصين وكوريا الشمالية وروسيا.
على مستوى العمليات، شاركت اليابان منذ عام 2018 في لعبة الحرب “شريفر”، وهي عبارة عن تدريب في عمق الفضاء تحت إشراف تحالف “العيون الخمس” (بالإضافة إلى فرنسا وألمانيا)، حيث يُعتبر ذلك التدريب أساسياً في عمليات تقاسم الاستخبارات المستقبلية بين اليابان والتحالف.في ما يخص الاستخبارات المعنية برصد الإشارات، تراقب وزارة الدفاع في مقر استخبارات الدفاع في اليابان الإشارات العسكرية اللاسلكية ما وراء البحار، وقد تقاسم المقر السابق، وهو المكتب الثاني لمجلس الأركان المشترك (“تشوبيتسو”)، إشارات مشتقة من الصراع الحدودي الصيني السوفياتي في عام 1969، والغزو السوفياتي لأفغانستان في عام 1979، مع الولايات المتحدة، كذلك، تعاون مجلس “تشوبيتسو” مع وكالة الأمن القومي الأمريكية لمراقبة اتصالات القوات الجوية السوفياتية انطلاقاً من قاعدة “واكاناي” في “هوكايدو”، فتبيّن أن طائرات مقاتلة روسية أسقطت طائرة ركاب كورية في 1 سبتمبر 1983.
مع ذلك، لا تزال نقاط ضعف اليابان في مجال الأنظمة الاستخبارية قائمة، ويمنع بعضها تبادل المعلومات الاستخبارية مع الدول الأخرى، ولتحسين طريقة حماية الأسرار الوطنية، أقرّت الحكومة اليابانية “قانون حماية الأسرار الخاصة” في عام 2013، فكان هذا القانون الأول من نوعه للتعامل مع مواد شديدة السرية في مجال الدفاع والدبلوماسية ومع النشاطات الضارة والإرهابية.
تلتزم جميع الوزارات والوكالات اليابانية بذلك القانون، وتصل العقوبة القصوى بحق مسرّبي الأسرار إلى السجن لعشر سنوات، وعلى المستوى الدولي، وقّعت الحكومة على “قانون حماية الأسرار العرضي” مع الولايات المتحدة في عام 1954، و”اتفاقيات الأمن العام للمعلومات العسكرية” مع الولايات المتحدة في عام 2007، ومع أستراليا في عام 2012، ومع المملكة المتحدة في عام 2013، ومن المتوقع أن يضمن هذا الخليط من القوانين الداخلية والمعاهدات الدولية تقاسم المعلومات الأمنية مع تحالف “العيون الخمس” في نهاية المطاف.
سيكون تقديم صور الأقمار الاصطناعية والإشارات العسكرية إلى تحالف “العيون الخمس” شرطاً ضرورياً لكن غير كافٍ للانضمام إلى التحالف، إذ يرتكز جوهر هذا التحالف أصلاً على “اتفاقية استخبارات الاتصالات البريطانية الأمريكية” التي ركّزت في الماضي على استخبارات الإشارات ضد السوفيات والكتلة الشرقية.
يراقب مقر استخبارات الدفاع الإشارات العسكرية في الخارج، لكن لا يُسمَح بجمع الإشارات غير العسكرية في اليابان أو أي بيانات من الفضاء الإلكتروني، حيث تستطيع وكالة الشرطة الوطنية أن تراقب الإشارات خدمةً للتحقيقات الجنائية حصراً، لكن ما من جهاز استخباري ياباني لجمع الإشارات والمعلومات الاستخبارية السيبرانية بشكلٍ دائم، فالدستور الياباني يحمي خصوصية الاتصالات ولا يسمح للحكومة بالمشاركة في العمليات الاستخبارية المحلية.
إذا اتفقت اليابان وتحالف “العيون الخمس” على تقاسم المعلومات الاستخبارية مستقبلاً، يجب أن تدرك طوكيو أن نشاطاتها الاستخبارية غير الناضجة وقيودها القانونية الصارمة قد تعوق فرص انتسابها إلى التحالف.
بالاتفاق مع صحيفة الجريدة