بقلم: ني جيان – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – تعد جائحة كورونا أطول جائحة عالمية تعاني منها البشرية وأوسعها انتشاراً وأكثرها تأثيراً، وتكبدت البشرية بسببها أفدح الخسائر. وفي مواجهة هذه التحديات المشتركة للبشرية جمعاء، على المجتمع الدولي الالتزام بالموقف العلمي وروح التعاون لتضافر الجهود في هزيمة الجائحة.
منذ تفشي فيروس كورونا المستجد، سابق العلماء الصينيون والإماراتيون الزمن استشعاراً بالمسؤولية والواجب، في إجراء المرحلة الثالثة من التجربة السريرية على اللقاح ضد كورونا، التي تعد الأولى من نوعها في العالم، مما وضع نموذجاً يحتذى به للتعاون الدولي حول مكافحة الجائحة.
وعقد الخبراء الطبيون والعلميون من البلدين عدة اجتماعات افتراضية تبادلوا فيها الخبرات في التشخيص والعلاج والوقاية والسيطرة على كورونا. بالتوازي مع ذلك، تعاونت شركات التكنولوجيا الفائقة في البلدين على إنشاء مختبر تشخيص كورونا في أبوظبي خدمة للسيطرة على الجائحة في الإمارات. وتم تشغيل المصنع المخصص لإنتاج لقاح «حياة فاكس» والذي بناه البلدان بشكل مشترك، بقدرة إنتاجية تبلغ 200 مليون جرعة سنوياً، بحيث أصبحت الإمارات مركزاً إقليمياً لإنتاج وتوزيع وشحن اللقاح، وأحرزت الصدارة في أعلى معدلات التطعيم، الأمر الذي أدى إلى انخفاض ملحوظ لحالات الإصابة بفيروس كورونا، وساهم في الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي. إذ تتساند وتتعاضد الصين والإمارات لتجاوز الصعوبات والعقبات، تعمقت علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين باستمرار من خلال التعاون في مكافحة الجائحة، بما يجسد ما بين البلدين من الأخوة في أوقات الشدة والرخاء.
في الوقت الحاضر، تبحث الأوساط العلمية عن المصدر الحيواني لفيروس كورونا وطريقة انتقاله إلى الإنسان، وتدرس في طرق فعالة لمنع انتشاره.
من البديهي أن تتبع منشأ فيروس كورونا قضية علمية جدية تستند إلى العلوم وتهتدي بالبحوث التي يجريها العلماء والخبراء الطبيون. والصين لكونها دولة رائدة عالمياً في الوقاية والسيطرة على جائحة كورونا، تظل تشارك بنشاط وبموقف علمي في التعاون العالمي حول تتبع منشأ الفيروس، حيث دعت خبراء منظمة الصحة العالمية لزيارتها مرتين لإجراء بحوث حول تتبع المنشأ.
وفي مارس الماضي، أصدرت المنظمة رسمياً تقرير البحث المشترك بين الصين والمنظمة بشأن تتبع المنشأ، حيث قدمت استنتاجاً علمياً مفاده أن «التسرب من مختبر غير مرجح للغاية»، وطرحت توصيات مهمة منها «البحث عن الحالات المبكرة المحتملة في جميع أنحاء العالم» و«دراسة إمكانية انتقال الفيروس عبر سلاسل التبريد». طالما خرج هذا التقرير باستنتاجات تتميز بأكثر مصداقية ومهنية وعلمية حول تتبع المنشأ، وبنتائج وتوصيات معترف بها من قبل المجتمع الدولي والأوساط العلمية، يستحق احتراماً وتنفيذاً من كافة الأطراف بما فيها منظمة الصحة العالمية، وينبغي أن يكون أساساً ومتابعة لأعمال التتبع على المستوى العالمي في المستقبل.
ولكن يكرّس بعض الناس من بعض الدول أنفسهم لإثارة ضجة صاخبة، عن طريق نفي التقرير المشترك الذي يعترف به الخبراء الدوليون، وإعادة تضخيم مغالطة «التسرب من مختبر ووهان»، وإجراء التحقيق القائم على «افتراض الذنب» حول تتبع المنشأ، سعياً وراء تغليب المصالح السياسية الذاتية على الروح العلمية، فبعض الدول خصصت أجهزة المخابرات للانخراط في تتبع المنشأ، ما يعد ممارسة تفتقر إلى المهنية والعلمية. حقيقة الأمر أن تسييس تتبع منشأ الفيروس هو في حد ذاته فيروس سياسي لا يساعد على كبح انتشار الفيروس في العالم، بل قد يشتّت انتباه الباحثين، بما يضرّ بالمصالح المشتركة لدول العالم وشعوبها. ومن هذا المنطلق، يجب على المجتمع الدولي دعم التتبع العلمي لمنشأ الفيروس، ورفض التتبع السياسي والتتبع الذي يتنافى مع قرار منظمة الصحة العالمية، وتقرير البحث المشترك بين الصين والمنظمة.
وقد أعربت أكثر من 70 دولة عن دعمها للتقرير ورفضها لتسييس التتبع من خلال إرسال رسالة إلى مدير عام المنظمة أو إصدار بيان أو تقديم مذكرة.
وتقدم ما يربو على 300 حزب ومنظمة اجتماعية ومؤسسة فكرية من أكثر من 100 دولة أو منطقة، بالبيان المشترك إلى الأمانة العامة للمنظمة، لدعوتها إلى إجراء بحث موضوعي وعادل حول تتبع المنشأ، بما يبرهن على أن العدل والعدالة في قلوب الناس.
إن الفيروس لا يعرف حدوداً، ولا يميز بين الأعراق. كشفت الجائحة بشكل متسارع ومأساوي أن العالم هو مجتمع المستقبل المشترك للبشرية. لا يمكن للمجتمع الدولي هزيمة الفيروس ما لم يكافحه بموقف علمي ويواجه التحديات الناجمة عنه بروح التعاون والتضامن. قد قدمت الصين 800 مليون جرعة من اللقاح إلى العالم، وستقدم ملياري جرعة خلال هذا العام. كما ستتبرع بمبلغ 100 مليون دولار لبرنامج كوفاكس، مع تسليم أكثر من 100 مليون جرعة بحلول أكتوبر المقبل. وتقدّر الصين تقديراً عالياً جهود الإمارات في دعم التعاون الدولي لمكافحة الجائحة من خلال دعم برنامج منظمة الصحة العالمية، وتقديم الإمدادات الطبية الطارئة وبناء المستشفيات والبنى التحتية، مما أشاع الأمل والدفء في نفوس الشعوب التي تعاني من الجائحة والحروب والفقر. نحن مستعدون للعمل مع الإمارات الصديقة، على التكاتف مع المجتمع الدولي ومواصلة تقديم الدعم والمساعدة لمكافحة الجائحة بقدر المستطاع، حتى تتغلب البشرية عليها في نهاية المطاف.