بقلم: د. محمد السعيد إدريس – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – انتهت «قمة بغداد للتعاون والشراكة» التي استضافتها العاصمة العراقية، يوم السبت الفائت، ولم يحدث ما يعكر صفو الأجواء الأمنية، خاصة من جانب تنظيم «داعش» الإرهابي الذي كان مستميتاً، طيلة الأسابيع القليلة التي سبقت انعقاد تلك القمة، على تأكيد أنه ما يزال رقماً قوياً يصعب تجاوزه في تسويات العراق الداخلية، وفي التسويات الإقليمية.
والتفجير الذي قام به فرع هذا التنظيم في أفغانستان (داعش – ولاية خراسان) عند أحد مداخل مطار كابول قبل ساعات قليلة من انعقاد قمة بغداد، يصعب تصور أنه جاء من خارج تلك الرسالة التي يحرص عليها «الداعشيون» في العراق وخارجه.
لم يكن هذا هو الإنجاز الوحيد، أي أن تنتصر الدولة العراقية على هذا التنظيم الإرهابي، وتضعه في حجمه الحقيقي بحضور قيادات دولية وإقليمية وعربية؛ إذ إن قمة بغداد حققت الكثير من النجاحات التي يمكن استعراض أبرزها على النحو التالي:
أكدت هذه القمة لدول جوار العراق أولاً وللأطراف الأخرى المشاركة في المؤتمر، أن العراق الضعيف والممزق والمفعم بالصراعات العرقية والدينية والطائفية منعدم القدرات والمؤسسات، يعد في ذاته خطراً على كل دول الجوار.
السنوات الأخيرة التي مضت فرضت على الجميع السعي من أجل «عودة محسوبة للعراق»، وقد نجحت قمة بغداد في التوصل إلى تصور متوازن للعراق المأمول تنص، وفقاً للبيان الختامي لتلك القمة على «اعتماد العراق سياسة التوازن والتعاون الإيجابي في علاقاته الخارجية»، ومن هنا جاء إعراب المشاركين عن «الوقوف إلى جانب العراق، وضرورة توحيد الجهود الإقليمية والدولية، وبالشكل الذي ينعكس إيجاباً على استقرار المنطقة وأمنها»، كما رحبوا بالجهود الدبلوماسية العراقية، الرامية إلى الوصول إلى أرضية من المشتركات مع المحيطين الإقليمي والدولي في سبيل تعزيز الشراكات السياسية والاقتصادية والأمنية، وتبني الحوار البنّاء، وترسيخ التفاهمات على أساس المصالح المشتركة.
أكدت هذه القمة أيضاً أن الأطراف المشاركة استطاعت أن تقرأ جيداً عمق التطورات الجديدة في البيئة الإقليمية والدولية التي تجمعها مع العراق، وفي المقدمة منها الحدث الأفغاني، وبالتحديد من منظور العجز الأمريكي عن إدارة هذا الحدث، والتهافت الأمريكي على «النأي بالنفس عن الصراعات». الرسالة وصلت إلى الجميع؛ حيث أدركوا أن تجاوز الخلافات وتسوية الأزمات المثارة بينهم لن تحل إلا بمبادرات من هذه الدول دون انتظار للدور الأمريكي.
قمة بغداد تفردت عن غيرها من القمم العراقية أو العربية السابقة بمبادرات تصالحية غير مسبوقة، شملت أطرافاً متخاصمة، التقت على أرض العراق، لم تقتصر على العرب وحدهم، لكنها امتدت إلى تركيا، ووصلت رسائلها حتماً إلى إيران هي الأخرى التي باتت مهيأة، حسب تصريحات رئيسها الجديد إبراهيم رئيسي لمبادرات تصالحية إيجابية مع دول الجوار.
أكدت قمة بغداد أيضاً أن العراق المستقر في علاقاته العربية والإقليمية المدعوم دولياً يكون في مقدوره أن يوظف هذا المناخ في شكل انفراج جديد في العلاقات الصراعية والمنقسمة بين القوى والأحزاب السياسية العراقية، التي ظلت، لسنوات طويلة، مضت أكثر تعبيراً عن توجهات ومصالح الأطراف الخارجية المتصارعة في العراق، أكثر من تعبيرها عن مصالح وطنية عراقية بحتة.
عندما أكدت القمة دعم سياسة الحكومة العراقية الرامية إلى إنهاء وضع العراق وأرضه كساحة للصراع الأمريكي- الإيراني، وأن العراق أضحى تواقاً إلى أن يعود إلى نفسه وأن يسلك سياسة التوازن في علاقاته الدولية والإقليمية، وأن يبلور مشروعاً وطنياً للنهوض والتقدم؛ بحيث يكون كفيلاً بإعادة العراق مجدداً لاكتساب مكانته التي أهدرت؛ وصلت الرسالة إلى أقطاب الصراع السياسي في الداخل، وكانت أول استجابة لها عودة مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري إلى السباق الانتخابي دون شروط بعد أن كان قد أكد منذ أسابيع انسحابه من المنافسة الانتخابية ودعوته إلى تأجيلها.
ففي كلمة متلفزة قبل ساعات من بدء أعمال قمة بغداد، التي كانت معالم مخرجاتها قد تكشفت قال الصدر: «تسلمت ورقة موقعة من بعض القادة السياسيين الذين ما زلنا نثق بهم، لأنهم يسعون للإصلاح» مؤكداً أن «هذه الورقة الإصلاحية يجب أن تكون ميثاقاً بين الكتل الموقعة، وبين الشعب بسقف زمني معين من دون مشاركة الفاسدين وذوي المصالح الخارجية، وعشاق التبعية والفساد»، مختتماً بذلك قراره الذي قال فيه إن «الورقة الإصلاحية جعلت من العودة إلى المشروع الانتخابي أمراً مقبولاً وميسراً». عودة الصدر إلى السباق الانتخابي تعد صدى لنجاحات قمة بغداد، ومؤشراً إلى أن العراق من داخله أضحى مؤهلاً للتغيير المأمول.