بقلم: حسن إسميك – القبس الكويتية
الشرق اليوم- كان من المفترض إتمام انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان بحلول 11 سبتمبر من العام الحالي 2021. لكن، مسارات الأحداث المتصاعدة بشكل دراماتيكي هناك، والدخول المفاجئ والسهل للعاصمة كابول، الذي حققته حركة طالبان بعد انهيار الجيش الأفغاني تزامناً مع هروب رئيس الدولة أشرف غني، دلالات توحي بأن «الإمارة الإسلامية» قد تتأسس قبل ذلك التاريخ، وأن التواجد الأميركي العسكري انتهى خلال عشية وضحاها!
أحكمت حركة طالبان، ومن خلال حملة منظمة بدأتها بالتوازي مع انسحاب القوات الأميركية من البلاد، سيطرتها على المدن الأفغانية الواحدة تلو الأخرى، الأمر الذي دقّ له ناقوس الخطر في معظم العواصم الغربية، لكن دون أن ينعكس ذلك على أي إجراء فعلي. وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد حذر سابقاً من أن الأمور «بدأت تخرج عن السيطرة، وأصبحت تخلف عواقب وخيمة يتحملها المدنيون»، والحقيقة أنها قد خرجت عن السيطرة بالفعل، خاصة أن التقارير تشير إلى أن نحو 250 ألف أفغاني اضطروا إلى النزوح وترك منازلهم ومدنهم جراء الاقتتال، إضافة لآلاف المحاصرين في المدينة ممن لم يجدوا أي وسيلة للهروب، وجميعهم مهددون بعمليات انتقامية تقوم بها طالبان، إما لعملهم مع الحكومة السابقة وإما لتعاقدهم مع الجيش الأميركي، أو لمجرد إعلان معارضتهم للحركة.
يبدو أن طالبان وفي ما لا يتجاوز بضعة أشهر، ستتمكن من إعادة الأمور في أفغانستان إلى ما كانت عليه قبل التدخل الأميركي في البلاد، لتمحو بذلك 20 عاماً من الجهود الأميركية خصوصاً، والدولية عموماً في الملف الأفغاني، وتعيد إلى المربع الأول صراعاً راح ضحيته أكثر من 2300 جندي أميركي و20 ألفاً آخرون من الجرحى، إلى جانب مقتل أكثر من 450 بريطانياً والمئات من الجنسيات الأخرى. دون أن نغفل طبعاً أن أكثر من 60 ألفاً من القوات المسلحة الأفغانية لقوا حتفهم في ذلك الصراع ومعهم عشرات آلاف المدنيين. أما في الجانب المادي فقد تكلف دافعو الضرائب من الولايات المتحدة وحدها ما يقارب التريليون دولار في تلك الحرب، لتأتي اليوم إدارة بايدن وتعلن انسحابها، و«عدم ندمها» على هذا الانسحاب، رغم كل ما تبعه من انهيار للأوضاع الأمنية والإنسانية في الداخل الأفغاني.
من جهة أخرى.. وفي تغريدة لها نشرتها على حسابها الرسمي في تويتر يوم الخامس عشر من الشهر الحالي، شددت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي على ضرورة «شكر» الرئيس بايدن على «وضوح الإجراءات» التي اتخذها تجاه أفغانستان. لكن الحقيقة أن أخطاء كثيرة ارتكبتها الولايات المتحدة في أفغانستان في السابق، وسيكون هذا الانسحاب هو الخطأ الأكبر، ليس فقط من حيث التوقيت المحلي لأفغانستان، بل من حيث الأوضاع العامة في الشرق الأوسط وحالة الاستقطاب الشديدة فيه، والتداعيات التي ستترتب على هذا الانسحاب داخلياً، إقليمياً، ودولياً، التي كانت قد بدأت بعض من ملامحها تتوضح، حتى قبل أن تتصاعد الأحداث بهذا الشكل المفاجئ والمثير للريبة.
لقد عملت الولايات المتحدة في أفغانستان على قتال الإرهاب عسكرياً فقط دون أن يترافق ذلك بـ«حرب أيديولوجية» أو بمعالجة المظالم الشعبية، الأمر الذي يعني دون شك أن هذا الإرهاب سيعود، وربما بشكل أكثر عنفاً ودموية، والأمر الأخطر في هذه الحالة هو أن صعود طالبان إلى الواجهة من جديد سيعطي أملاً لغيرها من التنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط، كالقاعدة وداعش، التي ستكون على أهبة الاستعداد لتعيد بعث نفسها من جديد بمجرد خروج الولايات المتحدة أو القوات الدولية من أي جغرافيا أخرى في المنطقة. وكما قد تجد طالبان حلفاء دوليين أو إقليميين من قبيل نظام أردوغان «الإسلاموي» في تركيا، كذلك ستستطيع مثيلاتها أن تفعل.
يبدي أردوغان رغبة في لقاء زعيم طالبان، وهذا اعتراف تركي مسبق بالحركة، حتى قبل أن تتم سيطرتها على كامل البلاد، ودون اكتراث بأي موقف قد يصدر عن الولايات المتحدة أو بالعقوبات التي تلوح بها الدول الأوروبية. يريد أردوغان أن يحصّل اعترافاً دولياً لدوره في أفغانستان، ولن يكون وحده الراغب بذلك، فباكستان أيضاً -التي تتهمها الحكومة الأفغانية – بعدم الوقوف في وجه أنشطة طالبان- ترى في أفغانستان منطلقاً لتغيير التوازنات في المنطقة.