بقلم: مفتاح شعيب – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – عادت ظاهرة انعدام الأمن لتطل برأسها في ليبيا، مع تعدد محاور التوتر في أكثر من منطقة، لتطرح مجدداً مشكلة الميليشيات غير المنضبطة وتهديدها المحتمل لعمل حكومة الوحدة الوطنية والمسار السياسي الذي يطمح إلى انتخابات عامة في ديسمبر المقبل. ورغم التعهدات والمشاورات المتنقلة من مكان إلى آخر يبقى ذلك الاستحقاق في دائرة الاحتمال، بالنظر إلى التهديدات الأمنية وتعثر مصادقة البرلمان على الإطار التشريعي للاقتراع المرتقب.
دول الجوار اجتمعت على مدار يومين في الجزائر، وأكدت دعمها الكامل لمبادرة استقرار ليبيا وتتضمن أساساً خروج القوات الأجنبية والمرتزقة وتأمين الحدود والتمسك بإجراء انتخابات ديسمبر في موعدها، وهذه الأهداف تتكرر من مؤتمر إلى مؤتمر ومن قمة إلى قمة منذ أن صعدت حكومة عبد الحميد الدبيبة إلى سدة السلطة في طرابلس، ومن دلالات تكرار هذه المطالب والتأكيد عليها عدم تحقق أي منها، وفي الواقع تبدو هناك نوايا غير مفهومة لعدم التزام أطراف عدة بتنفيذ شروط خريطة الطريق المنصوص عليها في قرارات مجلس الأمن ومخرجات مؤتمر برلين-2.
وبعد أشهر من الوعود الطيبة، تغير الحال في الفترة الأخيرة، وبدأت تتوالى التلميحات إلى تأجيل الانتخابات، فقد أعلنت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش في الجزائر أن حكومتها أوفت بتعهدات، لكن «ما زلنا ننتظر البرلمان لكي يجيز القاعدة التشريعية للانتخابات وهذا قد يعرقل أو يؤخر مسيرة الانتخابات»، وقبلها بأيام تداولت الأنباء مقترحاً أمريكياً يقضي بإجراء الانتخابات على مرحلتين، رئاسية وتشريعية، تنتهي في خريف العام 2022، أي تأجيلها سنة أخرى، وبعبارة أوضح تركها تحت رحمة الظروف والمزاج الإقليمي والدولي إلى أجل غير مسمى، وهذا الأمر إذا حدث فسيقلب التفاؤل الذي بنته خريطة الطريق إلى حالة إحباط شاملة وما قد يستتبعها من انهيارات أمنية وسياسية واجتماعية.
أقل من أربعة أشهر تفصل ليبيا عن موعد الرابع والعشرين من ديسمبر، ولم يتم إلى الآن التعرف على المشهد الانتخابي ورموزه ومكوناته، ولم يتم التوصل إلى «القاعدة الدستورية»، وهناك ما يشبه التراخي المصطنع وكأنه يسعى إلى جر البلاد إلى مأزق جديد، وحتى إذا تم التوصل إلى قاعدة مستعجلة دون توافقات حقيقية، فسيؤدي ذلك حتماً إلى تجدد الخلافات بين الفرقاء والعودة إلى مربع الانقسام الذي دمر البلد على مدار عشر سنوات. وحتى مشروع المصالحة الذي يفترض أن يكون رافداً للمسار السياسي مازال يراوح مكانه ويتنقل من مدينة إلى أخرى، وتعثر هذا المشروع أيضاً سيرخي بظلال الشك على المشهد برمته، ويؤخر الوصول إلى بر الأمان.
قبل تحقيق الأهداف المعلنة للاستقرار واستكمال بناء أركان الدولة، ستبقى ليبيا في حالة حرب أهلية، ومن أهم علاماتها بقاء القوات المتقاتلة والميليشيات المختلفة في أغلب نقاط التماس السابقة، وتؤخر نشر الفريق الأول لمراقبي وقف إطلاق النار، وبقاء المرتزقة الأجانب، وهذه العوامل ستبقى مثل الألغام الجاهزة للانفجار مع أي ارتفاع في درجات حرارة الأوضاع السياسية والأمنية. فما تبقى من وقت قد لا يسعف بتحقيق المعجزة، لكن كل شيء ممكن إذا توفرت الإرادة الخالصة للإنقاذ والتغيير.