افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – فيما كانت حركة «طالبان» تفرض سيطرتها على العاصمة الأفغانية كابول، وفيما كانت الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى تستكمل عملية إجلاء قواتها والمواطنين الأفغان الذين تعاونوا معها، أو الذين يخشون على حياتهم في ظل حكم «طالبان»، نفذ تنظيم ««داعش»- خرسان» عملية تفجير إرهابية دموية قرب مطار كابول راح ضحيتها عشرات الجنود الأمريكيين و المدنيين الذين كانوا يرغبون في الفرار.
لم يكن ما حصل خارج السياقات المتوقعة، فقد سبق ذلك تحذيرات مؤكدة من جانب أكثر من جهاز استخبارات غربي بقرب وقوع عملية إرهابية وشيكة في المطار، ومع ذلك تمكنت ««داعش» – خرسان» من تنفيذ جريمتها التي أرادت من خلالها أن تبعث برسالة إلى «طالبان» والولايات المتحدة والعالم بأنها موجودة وقادرة على الفعل، وهو ما يمثل تحدياً للجميع، ويشكل منعطفاً بالغ الخطورة في الأزمة الأفغانية، خصوصاً أن ««داعش» – خرسان» ترى بأن «طالبان» حركة «مرتدة» و«خانت أهداف الجهاد»؛ وأن غيرها «كافر».
كانت ««داعش» – خرسان» نشأت عام 2015 في ولايتي ننجرهار الشرقية وجوزجان الشمالية، لكنها لم تلق ترحيباً من جانب «طالبان» منذ البداية، ووقعت عدة مواجهات بين الطرفين إلا أنها لم تأخذ شكل الحرب المفتوحة بينهما، لأن «طالبان» كانت ترى في محاربة الوجود الأمريكي أولوية، إلا أن المستجدات باتت تفرض على «طالبان» الآن نهجاً جديداً في التعامل مع ««داعش» – خرسان» التي باتت تشكل خطراً عليها كسلطة تحاول الإمساك بالوضع، وتسعى إلى الحصول على الشرعية الدولية، وتحاول طمأنة جيرانها من تسلل الإرهاب إليها.
لا تتوفر أرقام ثابتة عن عدد «داعش»، فالأرقام المتداولة متفاوتة. الأمم المتحدة تتحدث عن 1000 و 1500 عنصر، لكن أجهزة الاستخبارات الغربية تتحدث عن عدة آلاف بين (5000و 8000). فيما وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو، الذي حمل الانسحاب الأمريكي السريع مسؤولية تزايد النشاط الإرهابي، أكد أن «مسلحي «داعش» ينتقلون بالآلاف من سوريا والعراق وليبيا إلى أفغانستان. ولهذا الغرض، وخشية من تسلل «داعش» إلى دول آسيا الوسطى جرت تدريبات عسكرية روسية – طاجيكية – أوزبكستانية مشتركة قرب الحدود الأفغانية تحاكي القضاء على جماعات إرهابية تسللت إلى أراضي إحدى هذه الدول.
خطر الإرهاب بعد الانسحاب الأمريكي بات واقعاً داهماً، ولم يعد مجرد احتمال، ولا يكفي أن يحذر الرئيس الأمريكي جو بايدن ««داعش» – خرسان» بالقول: «سنلاحقكم وسنجعلكم تدفعون الثمن»، ولا تكفي غارة من هنا أو هناك، فالمطلوب أولاً أن تحدد «طالبان» موقفاً واضحاً وحاسماً في مواجهة «داعش»، وتعتبرها عدواً جديداً لها طالما أنها باتت في السلطة وتسعى لأن تكون جزءاً من المجتمع الدولي، وإزالة وصمة الإرهاب عنها.
كما أن المجتمع الدولي عليه مسؤولية مواجهة الإرهاب الذي يطل برأسه مجدداً من خلال التعاون المشترك باعتباره يشكل خطراً على الجميع.