الرئيسية / مقالات رأي / الانسحاب من أفغانستان هزيمة أم نصر؟

الانسحاب من أفغانستان هزيمة أم نصر؟

بقلم: علي الصراف – العرب اللندنية

الشرق اليوم- وسط كل مشاعر الهزيمة التي يغذيها الجمهوريون في واشنطن، مَنْ يجرؤ على القول إن الولايات المتحدة هي التي انتصرت بالانسحاب من أفغانستان؟

رئيسة الحزب الجمهوري رونا مكدانييل قالت إن جو بايدن “خلق كارثة وخذل الأميركيين ومصالحهم”.وقال زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب كيفن مكارثي إن الرئيس ترك “أميركيين تحت رحمة إرهابيين”.

وقال الرئيس السابق دونالد ترامب “إن خروج بايدن الفاشل من أفغانستان هو العرض الأكثر إثارة للدهشة لعدم الكفاءة الفادحة من قبل زعيم أمة، على الإطلاق”.

وهذه ليست عروضا سياسية تصلح لخدمة التنافس الحزبي. إنها هي ذاتها عروض هزيمة.

قرار غزو أفغانستان كان قرارا جمهوريا، اتخذه ثلاثة هم الرئيس جورج بوش الابن، ونائبه ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. أما قرار خروج القوات الأميركية من أفغانستان وعقد محادثات سلام مع طالبان فقد اتخذه الرئيس ترامب نفسه.

لو كان الانسحاب هزيمة، فإن غزو أفغانستان هو الذي أسس لها. لأنه انطلق من أسس خاطئة كليا.

  • غزو أفغانستان، وطرد حكومة طالبان، كان عملا من أعمال الانتقام. ربما أملت الضرورة معاقبة حركة طالبان على حقيقة أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر انطلقت من تحت أنف سلطتها. ولكن العقاب شيء، والانتقام شيء آخر. الأول يؤنب على جريمة، والثاني يشعل فتيل مواجهة أعنف. وهذا ما حصل.
  • إقامة نظام جديد، بمفاهيم غريبة عن بيئتها المحلية، كانت كمن يلقي على النار وقودا إضافيا. ولقد ظلت حكومة كابول، شاءت واشنطن أم أبت، معزولة وغير مرغوبة فعليا وواقعة تحت طائلة اتهامات بالارتباط الوثيق بقوة الاحتلال.
  • الفشل تعمق أكثر بالعجز عن بناء دولة راسخة المعايير والقيم. وظل التنافس الشرس بين أطرافها ينفخ في جمرة انعدام الاستقرار.
  • والنظام الذي ظل يستعين في اقتصاده على المعونات الخارجية، وفي استقراره السياسي على الدعم الأميركي، كان لا بد في النهاية أن يتضح أنه نظام هش، ولا يمكن لقواته أن تصمد في مواجهة حركة مسلحة تلتئم على نفسها بعصبية أشد.د

على هذه الأسس تحول الوجود الأميركي في أفغانستان إلى حرب استنزاف ليست لها نهاية واضحة. وعلى مدار السنوات العشرين فقدت الولايات المتحدة أكثر من 2400 أميركي بين مدني وعسكري، وأصيب بجراح أكثر من 20 ألف أميركي، فيما بلغت الخسائر المادية أكثر من تريليوني دولار، هي أكثر من كل خطة التحفيز الاقتصادي التي وقعها الرئيس بايدن في مارس الماضي بقيمة 1.9 تريليون دولار.

انهيار سلطة الرئيس أشرف غني بدأ من قبل أن تبدأ طالبان باجتياح الأقاليم الأفغانية. والمحادثات من أجل تسوية سياسية، كانت نوعا من اعتراف ملموس بالفشل، ينتظر، فقط، ساعة الصفر. وكل أدلة الواقع كانت تقول إن البلاد غارقة حتى أذنيها في حرب أهلية، قوامها الظاهري بين حكومة كابول من جهة وحركة طالبان من جهة أخرى. ولكن قوامها الحقيقي هو أنها حرب أهلية متعددة الأطراف، وفي المسافات بين كل طرف وآخر توجد منظمات وتشكيلات مسلحة مناطقية وقبائلية غير منضبطة، وليس تنظيما داعش والقاعدة سوى جزء منها. ويكاد من المستحيل معرفة مَنْ يقوم بتغذية مَنْ بالموارد والأسلحة. ولا من أين يمكن لأي ضربة أن تأتي.

في هذه البيئة لا يوجد انسحاب من دون خسائر. هذا مجرد وهم. ومع ذلك، فقد تمكنت الولايات المتحدة من إجلاء 123 ألف شخص، بينهم 6 آلاف جندي، والكثير جدا من المعدات في غضون أسبوعين تقريبا.

عسكريا، ولوجستيا، هذا عمل تاريخي وغير مسبوق.

الخسائر اقتصرت في النهاية على مقتل 13 جنديا ونحو 95 مواطنا أفغانيا آخرين ممن كانوا ينتظرون الفرصة لإجلائهم. وكان ذلك في عمل إرهابي يمكن أن يحصل مثله في أي مكان آمن آخر.

الإرهاب جبان. والجبن يمكنه أن يتسلل إلى حيثما تتاح له الفرصة.

لو شاءت الولايات المتحدة أن تبقى 10 سنوات إضافية، فإن ذلك يفترض أن يعني، من الناحية النظرية على الأقل، 1200 قتيل، و10 آلاف جريح، وتريليون دولار إضافي. وبالتالي، نصفهم في خمس سنوات وربعهم في عامين ونصف عام إضافيين.

وهذا أكثر من كثير على شيء قام، في الأصل، على أسس خاطئة. وككل بناء هش، فقد كان لا بد في النهاية أن ينهار.

انظر إلى الأمر من زاوية التحدي الاستراتيجي الذي يواجه الولايات المتحدة مع الصين وروسيا، في مجالات العلوم والتكنولوجيا والتقنيات المتقدمة، وستعرف لماذا أن هناك حربا أهم، يتعين خوضها في الاقتصاد، وليس بالضرورة بالقوة المسلحة.

الرئيس بايدن اتخذ قرارا شجاعا. ونفذه عسكريون تشهد لهم الوقائع بالكفاءة المهنية العالية، ودبروا في أسبوعين ما لم يره الذين دبروا الهزيمة في عقدين من الزمن. لقد ظلت الولايات المتحدة تنفق على تلك الهزيمة وتعيش أجواءها لعشرين عاما، وكان الانسحاب هو النصر الوحيد فيها.


شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …