بقلم: تورغوت أوغلو – اندبندنت عربية
الشرق اليوم– أضاف التغيير المفاجئ وغير المتوقع للإدارة في أفغانستان مشكلات جديدة إلى المشكلات الموجودة. وأهم هذه المشكلات هو الضبابية المخيِّمة على البلاد.
فبعد أن استولت حركة “طالبان” على مقاليد السلطة لا يزال هناك قلق داخل البلاد، وتعاني الدول والمؤسسات الدولية من تردد في اتخاذ المواقف بشكل واضح.
وقد تكون الغالبية في الوقت الراهن، هي التي تعزي خروج الولايات المتحدة من أفغانستان بهذا الشكل إلى فشل الرئيس جو بايدن. ولكن ينبغي أن يؤخذ في الحسبان أن هذا يمكن أن يكون قد جرى ضمن خطة مسبقة. يؤيد ذلك ما تتم مناقشته في الأروقة السياسية من أن الولايات المتحدة وحلفاءها، بهذه الخطوة المفاجئة نوعاً ما، تركت كرة نارية في أحضان روسيا والصين ودول المنطقة التي تدور في فلكهما.
ويبدو من التصريحات التي تدلي بها هذه الدول أن معظمها تجد نفسها مضطرة للتصريح بأنها تميل نحو إنشاء علاقات إيجابية مع “طالبان”.
وبالفعل، كانت الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا والصين وبعض الدول تُجري اجتماعات منتظمة علنية/ سرية منذ عام 2020، ولا تزال هذه الحوارات جارية.
ومع ذلك، فإن الدول والمنظمات الدولية المهمة لا تنقل توقعاتها ومخاوفها إلى “طالبان” على أعلى المستويات، لأن التاريخ المظلم للحركة لا يزال حياً في ذاكرة الجميع.
من “داعش” إلى “طالبان“
وهناك رئيس واحد فقط أشاد هو وفريقه بـ”طالبان”، ولسوء الحظ هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
نعم، أرجع وأقول “لسوء الحظ أيضاً”، لأنه عندما دخل تنظيم “داعش” الرقة عام 2014 وقام بالمذابح، كانت حكومة حزب العدالة والتنمية هي التي تحاول جعله يبدو لطيفاً.
وتوجهت وكالة الأنباء الرسمية التركية (الأناضول) إلى الرقة الخاضعة لسيطرة “داعش”، وقامت بالبث المباشر من هناك، قائلة إن “الحياة عادت إلى طبيعتها، والناس ذهبوا إلى أعمالهم بسلام”. وبعد ردود الفعل الشديدة اضطرت الوكالة لحذف هذا الخبر من موقعها.
وفي العام نفسه، قام رئيس الوزراء آنذاك، أحمد داود أوغلو، بتصوير الدواعش على أنهم “شباب غاضبون”، معتبراً إياهم معذورين في حمل السلاح والقيام بأعمال العنف.
في ذلك الوقت أيضاً، وبإذن خاص من أردوغان، تم إرسال أسلحة إلى “داعش” قبل أن ينكشف الأمر في الحادثة المعروفة باسم “قضية شاحنات الاستخبارات”.
وفي الفترة نفسها، افتتح “داعش” مدرسة في العاصمة أنقرة بموافقة من وزارة التربية الوطنية، وعندما افتضح الحادث، تم إغلاقها.
وأستطيع أن أكتب صفحات تضم أمثلة من هذا القبيل تدل على دعم حزب العدالة والتنمية لمثل هذه الجماعات الإرهابية.
الآن، بدأ الكادر نفسه يندفع في جوقة المديح والثناء على “طالبان” ومن شايعها.
ومما زاد الطين بلة ذلك التصريح الذي أدلى به الرئيس أردوغان، قائلاً “لا توجد هناك خلافات في العقيدة بين تركيا وطالبان، وأعتقد أننا سنتوافق معها بشكل أفضل”.
ويبدو أنه تولى أمر العلاقات العامة لـ”طالبان” ليقول “إننا نرحب أيضاً بالتصريحات المعتدلة والمتوازنة التي أدلى بها قادة طالبان”.
وبطبيعة الحال ينعكس كل ذلك، بشكل أكثر خطورة وسوءاً، على كوادر حزب العدالة والتنمية ووسائل الإعلام الخاضعة لهم، إلى مدى أن التعاطف مع “طالبان” لا يقف عند حدود الوطنية، بل أصبح يُعتبر كأنه ركن من أركان الإيمان.
ومن أوائل الذين تبنَّوا الترويج لـ”طالبان” كبير أئمة مسجد آيا صوفيا السابق محمد بويْنُوكالين القائل إن “الغالبية العظمى من الشعب الأفغاني تعتبر طالبان حركة نضالية وطنية تقف ضد الاحتلال”.
ويقول الصحافي مصطفى أوزجان، الذي ينتقد المناهضين لـ”طالبان” في تركيا، إن “أعداء الإسلام الذين يعيشون بيننا يبطّنون عداءهم للإسلام تحت غطاء مناهضة طالبان”.
وعندما قام الصحافي المقبول لدى حزب العدالة والتنمية محمد عاكف أرسوي بانتقاد “طالبان” بعض الشيء، أصبح هدفاً لصحيفة “يني أكيت” التي يسيطر عليها أردوغان.
يُذكر أن هذا الصحافي كان يقوم ببث مباشر من كابول، مما أثار حفيظة تلك الصحيفة التي انتقدته لأنه “يشوه سمعة طالبان من خلال نقل مشاهد سلبية من أفغانستان”.
من جانبه، ذهب البروفيسور خير الدين كرمان الذي يعتبره أردوغان “شيخ الإسلام”، في عموده المنشور على صحيفة “يني شفق” إلى أبعد من ذلك وشبّه دخول “طالبان” إلى كابول بـ”دخول الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة عام الفتح”.
هذه ليست مزحة وتصريحاته متوافرة على الإنترنت.
أخيراً، دَعُونا نقتبس من كبير مستشاري أردوغان، ياسين أكتاي الذي قال إن “اتهام طالبان بالإرهاب افتراء. وسنواصل متابعة طالبان بذهول. ومن المحتمل أننا إما سنقول إن طالبان قد تغيرت كثيراً بمضي الوقت، أو ربما سنلاحظ بدهشة كيف أصبحت هذه الحركة ضحية للعديد من عمليات التشويه”.
نعم للأسف هذه هي الصورة العامة في تركيا.
اللغز الحقيقي
وأعتقد أنه ينبغي التشكيك في حب وصدق أردوغان وحزبه تجاه “طالبان”، ومن الصعب التكهن بتحركات الحركة، ولكن اللغز الحقيقي هو: لماذا يتمسك أردوغان بهذه المهمة على الرغم من تغير الظروف؟ هل لا يزال هناك شيء التزمه أثناء لقائه مع بايدن؟
لا يسع المرءَ إلا أن يتساءل عما إذا كانوا قد أوكلوا إلى أردوغان مهمة رعاية “طالبان” وجعلها تبدو لطيفة. ومن الممكن أنهم لا يريدون أن يخلوا الساحة تماماً لكل من الصين وروسيا وإيران.
ومع ذلك، ليس لدى أي من هذه الدول أسلوب علاقة يقوم على الإخوة أو الدين أو العاطفة، بل تهتم بأمنها القومي ومصالحها.
أما بالنسبة إلى تركيا، فإن جميع البهلوانيات الدبلوماسية تتماشى مع أهداف أردوغان المتمثلة في الحفاظ على مكانته في الداخل والخارج.
ولكن الحقيقة هي أن العلاقات الخارجية لا تبنى على الدين والمعتقدات، ولا يمكن تحديد الاستراتيجيات بحسب الميول القلبية التي هي مثل النقش على الماء. والمتمسك بذلك سيجد نفسه يوماً ما في العراء.
إنه من الضروري أن تتبع الدولة الإجراءات الدبلوماسية والتصرف وفقاً للمعايير الدولية التي تنظر في المصالح الاجتماعية والاقتصادية والاستراتيجية، وإلا فإن تركيا ستستمر في التذبذب في العلاقات الخارجية يميناً وشمالاً.