بقلم: د. أيمن سمير – صحيفة “البيان”
الشرق اليوم – أثارت تصريحات وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو بأن القيادة الأمريكية خرجت من المسرح العالمي نتيجة للمشهد الذي شهده مطار كابول ومقتل 13 جندياً أمريكياً، وهو أكبر عدد من الضحايا في صفوف الجيش الأمريكي خلال آخر 10 سنوات في أفغانستان، وأول عملية إرهابية ضد القوات الأمريكية منذ فبراير 2020.
ويجادل أقطاب الحزب الجمهوري بأن طريقة الخروج من أفغانستان توحي لحلفاء واشنطن بأن الولايات المتحدة تخرج من العالم وليس من أفغانستان فقط، وأن عدم قدرة الولايات المتحدة على بناء قواعد عسكرية في كل الدول المجاورة لأفغانستان نتيجة للنفوذ الصيني أو القواعد العسكرية الروسية في المنطقة مثل طاجيكستان يؤكد أن الولايات المتحدة خرجت من تلك المنطقة الحيوية من العالم دون رجعه.
لكن على الجانب الآخر يقول البيت الأبيض إن الخروج من أفغانستان هو فرصة لإعادة الانتشار في المحيطين الهادي والهندي، وادخار الرجال والعتاد من أجل التنافس الحاد مع بكين وموسكو، فهل تسير واشنطن نحو «الانكفاء على الذات أم أن الولايات المتحدة عادت من جديد» كما يقول الرئيس جو بايدن لكل بصورة أكثر مرونة؟
خلاف قديم
منذ الثورة الأمريكية وتأسيس الولايات المتحدة على يد الرئيس جورج واشنطن كان هناك خلاف أمريكي حول طبيعة المشاركة في الحروب والذهاب بعيداً عن حدود المحيطين الأطلسي والهادي، وكان غالبية الساسة الأمريكيون يرفضون الانخراط في الحروب الأوروبية في القرنين الـ18 والـ19، وظل الاهتمام الأول يتعلق بالحديقة الخلفية للولايات المتحدة المتمثلة في الأمريكتين والنصف الغربي من الكرة الأرضية.
وسار غالبية الرؤساء الأمريكيين على هذا النهج بالابتعاد عن الصراعات الدولية امتثالاً لخطاب الوداع الذي ألقاه الرئيس الأمريكي الأول جورج واشنطن بعدم التدخل في الحروب والسياسة الأوروبية، ولذلك رفضت الولايات المتحدة دعوات كثيرة للانخراط في الحروب حتى الدخول الأمريكي في الحرب العالمية الأولى كان من منطلق رغبة الرئيس ويلسون في بناء نظام عالمي يقوم على السلام وعدم اندلاع حروب جديدة.
ودعم الدمار الهائل الحرب العالمية الأولى حجج أصحاب الدعوات الانعزالية، وقاد الانعزاليون الموقف الأمريكي الرافض للمشاركة في الحرب العالمية الثانية التي بدأت عام 1939 إلا أن الهجوم الياباني على البحرية الأمريكية في بيرل هاربور في ديسمبر 1941 أقنع غالبية الأمريكيين بالمشاركة في الحرب، لكن المكاسب التي حققها الرئيس دوايت أيزنهاور من الانفتاح على أوروبا والعالم أعادت الروح لفريق المشاركة في القضايا الدولية
سياسة ترامب
وينظر على نطاق واسع إلى سياسة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب «أمريكا أولاً» على أنها كانت انعزالية بامتياز، لأنها كانت تقوم على تقليل الأعباء الخارجية تجاه حلف الشمال الأطلسي (الناتو) والمنظمات الدولية مثل منظمة الصحة واتفاق باريس للمناخ، لكن من وجهة الديمقراطيين فإن الأمريكيين يشكلون 5% فقط من العالم، ولن تتحقق مصالحهم إلا بمزيد من الانفتاح على الشعوب الأخرى، لكن سيظل مشهد الخروج من أفغانستان عالقاً في أذهان الأمريكيين حتى يقرروا مزيداً من الانسحاب من العالم أو إعادة التموضع من جديد نحو مرحلة تحافظ على القيادة الأمريكية للعالم.