بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم- مجرد أن تلتقي القوى الإقليمية في بغداد تحت سقف واحد، يعتبر ذلك نجاحاً لدبلوماسية رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وتقديم صورة جديدة عن العراق، تتنافى مع الصورة النمطية التي كرستها عقود الحروب والاضطرابات. وفي بغداد، كان هناك إجماع من كل الوفود على أهمية دعم السلام في العراق والوقوف في مواجهة الإرهاب الذي لم يتم القضاء عليه نهائياً بعد.
إن التركيز على الحوار وسيلة لحل الخلافات بين الدول الإقليمية، وتحديداً بين دول الخليج العربية وإيران، هو مؤشر إلى توافق المشاركين على دور العراق كمسهل لهذا الحوار وداعم له. وهذا بحد ذاته اعتراف بدوره في المنطقة، ما ينقله من ساحة لتبادل الرسائل “النارية” إلى شريك فاعل في تقرير وجهة التحديات المطروحة على هذه الدول.
وعندما يكون هناك تشديد على أن المنطقة لا يمكن أن تستقر إلا إذا كان العراق مستقراً، فإن ذلك يرقى إلى مثابة التسليم بأن صفحة الحروب في هذا البلد يتعين أن تطوى إلى غير رجعة، وأن تبدأ التفاهمات الإقليمية إنطلاقاً من بغداد، التي كانت عنوان الاضطراب في العقود الأخيرة.
وإذا كان العراق بخير، فإن سوريا تكون أيضاً بخير، وإذا كان العراق وسوريا بخير، فإن لبنان والأردن سيكونان أيضاً بخير. إن إقحام العراق في حروب لا ضرورة لها، أعاد تشكيل السياسات في المنطقة وانعكس سلباً على سوريا ولبنان والأردن ودول الخليج العربية ومصر وتركيا. كما أن الغزو الأميركي، صحيح أنه اسقط نظام صدام حسين، لكنه فتح أبواب الجحيم على الشرق الأوسط بكامله، وأعاد كذلك تشكيل سياساته، ونشأت تالياً اصطفافات ومحاور وعداوات جديدة.
ومن هنا أهمية أن تأتي دول الخليج العربية وإيران وتركيا ومصر إلى بغداد لتطلق صفحة جديدة من التعامل في ما بينها، تغيب عنها التهديدات المتبادلة، ويصدر إقرار من الجميع على أن الحوار وليس غير الحوار هو السبيل الأنجع لحل الخلافات وإزالة التحفظات.
إن العراق المعافى داخلياً وإقليمياً يمكنه أن يرسخ الاستقرار في المنطقة ويساهم في حل حرب اليمن وفي التدخل إيجاباً، بحثاً عن تسوية للأزمة السورية، وهاتان أزمتان طالتا أكثر من اللازم. والعراق المقبول عربياً وعلى وئام مع إيران، في إمكانه أن يجعل من سوريا تقتدي به وأن توازن بين علاقاتها العربية وعلاقاتها بطهران في الوقت نفسه. وتزول بذلك عقبة رئيسية من أمام إعادة الاستقرار إلى سوريا.
اللافت أيضاً في مؤتمر بغداد، أن يتوصل إلى الإقرار بـ”أن المنطقة تواجه تحديات مشتركة تقتضي التعامل معها على أساس التعاون المشترك والمصالح المتبادلة، ووفقاً لمبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام السيادة الوطنية”.
هذه مناخات جديدة ساهم العراق بلا شك في صوغها ويبقى عليه أن يترجمها على أرض الواقع، من طريق دوره في تهيئة الأرضية لنجاح الحوار السعودي-الإيراني، الذي يمكن أن يبنى عليه الكثير في تطويره إلى لقاءات على مستوى أرفع بين الجانبين.
يمكن اعتبار مؤتمر العراق المدماك الأول في بناء صرح الاستقرار المنشود في المنطقة، والابتعاد عن التشنجات والتوترات السائدة. وأن يتصادف انعقاد المؤتمر مع التحولات الجيوسياسية في جنوب آسيا بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، فلذلك أيضاً دلالاته أيضاً، لا سيما رغبة المشاركين في إرساء أجواء تهدئة في مرحلة بالغة الدقة.
وفي وقت يبدو مستقبل أفغانستان غامضاً ومفتوحاً على آفاق سياسية وأمنية لم تتبلور ملامحها بعد، كان العراق ينال اعترافاً بمكانته على الساحة الإقليمية، ويخطو خطوة أخرى نحو تثبيت دوره كصمام آمان في الشرق الأوسط.
والإطلالة الجديدة للعراق، ساهمت أيضاً في توازن القوى الداخلي ونزع الألغام من طريق الانتخابات التشريعية المبكرة في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل. وهذا ما ترجم في موقف زعيم التيار الصدري الذي تراجع فيه عن مقاطعة الانتخابات. ومعلوم أن الانتخابات المبكرة هي مطلب رئيسي للحراك الشعبي العراقي، على طريق إزاحة الطبقة السياسية المتهمة بالفساد.
نجح الكاظمي إقليمياً، لكن بقيت عليه مهمة النجاح داخلياً في توفير الظروف المناسبة لانتخابات نزيهة، تفرز طبقة سياسية غير فاسدة، ويكون فيها للحراك تمثيل أساسي.