بقلم: د. محمد علي السقاف – الشرق الأوسط
الشرق اليوم – باقتراب ذكرى مرور عشرين عاماً منذ كارثة أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 وغزو الولايات المتحدة لأفغانستان انتقاماً لضحاياها هل حققت الولايات المتحدة أهدافها في أفغانستان؟ ألا يحق التساؤل كيف تخرج الولايات المتحدة من أفغانستان بهذا الشكل المهين لأقوى قوة في العالم عسكرياً واقتصادياً، لم تستطع فيها الإدارات الأميركية المتعاقبة طيلة فترة عشرين عاماً من وجودها في أفغانستان أن تؤسس لدولة مدنية، دولة عصرية حضارية تحترم حقوق الإنسان، والمساواة بين الرجل والمرأة في عصر كان جورج بوش الابن يروج فيه لدول الشرق الأوسط، مشروع الشرق الأوسط الجديد؟ ونسي تطبيق ذلك على أفغانستان التي غزاها في 2001؟
وقد كان صريحاً الرئيس بايدن في كلمته في البيت الأبيض في 16 أغسطس (آب) الماضي، حين قال: «لقد ذهبنا إلى أفغانستان منذ نحو 20 عاماً بأهداف واضحة، ألا وهي القضاء على من هاجمونا في 11 سبتمبر 2001 والتأكد من عدم تمكن (القاعدة) من استخدام أفغانستان كقاعدة لمهاجمتنا مرة أخرى… لم يكن من المفترض أن تتمثل مهمتنا في أفغانستان ببناء الدولة، لم يكن من المفترض أن نؤسس ديمقراطية موحدة مركزية، فإذا كانت الولايات المتحدة استطاعت في عهد الرئيس أوباما، والذي كان الرئيس بايدن حينها نائبه اغتيال زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن منذ عشر سنوات، التي أشار إليها الرئيس بايدن في خطابه المذكور قد يتساءل البعض لماذا لم تنسحب الولايات المتحدة حينها من أفغانستان؟ وهل منع استمرار وجودها من بروز منظمات إرهابية أخرى في أفغانستان وفي بعض دول الشرق الأوسط؟ ألا يثير ذلك التساؤل حول من قام مؤخراً بالتفجيرات عند مطار كابل وراح ضحيتها نحو 200 فرد منهم مقتل 13 أميركياً والبقية من أطفال ونساء أفغان كانوا موجودين بغرض مغادرة بلادهم، والتحذيرات من إمكان تكرار حدوث عمليات إرهابية أخرى عن أي شيء تؤشر إن لم يكن ذلك يمثل علامة فوضى وعدم انضباط في عملية الخروج من كابل؟ وأن يتم تسليم السلطة في أفغانستان لـ«طالبان»، التي تتضمن قيادات كانت في السجون الأميركية في غوانتانامو.
والسؤال الآخر من ضمن الأسئلة الكثيرة أين تلاشى الجيش الأفغاني الذي بذوبانه بين عشية وضحاها مكَّن «طالبان» من الاستيلاء بسهولة على عدد كبير من المدن الأفغانية وإحكام قبضتها لاحقاً على العاصمة كابل؟
أوضحت صحيفة اللوموند الفرنسية بتاريخ 14 أغسطس الماضي تحت عنوان أسباب انهيار الجيش الأفغاني أمام حركة «طالبان» الذين فوجئوا بتمددهم السريع في حين احتاجوا إلى فترة عامين بين 1994 – 1996 أثناء الحرب الأهلية للاستيلاء على السلطة، بينما في هذه المرة استطاعوا في غضون 45 يوماً الاستيلاء على أجزاء كثيرة في الشمال، والجنوب وغرب البلاد مقتربين من العاصمة كابل.
الإدارة الأميركية كانت دائماً حول القدرات الدفاعية للجيش الأفغاني في الدفاع عن تربة بلاده، ولكن واقع الحال كذب تلك الادعاءات لسبب بسيط، كما أوضحته الصحيفة الفرنسية المتمثل بالفساد من حيث إن السلطات الأفغانية أنشأت فرقاً وهمية من الجيش البالغ عدده رسمياً 300 ألف عنصر مكون من 46 كتيبة في كل منها 800 جندي تم النفخ في عددهم من أجل زيادة الفاتورة التي على الأميركان دفع قيمتها.
وقد قدرت تكاليف الوجود الأميركي طيلة عشرين عاماً بنحو تريليون دولار وعدة مئات المليارات التي دفعها حلفاء الولايات المتحدة ومنظمة الحلف الأطلسي (الناتو)، ومن ناحية إحصائيات عدد القتلى من الأميركيين، فقد أشارت نشرة وزارة الخارجية الأميركية أن عددهم تجاوز 2300 قتيل منذ عام 2001 وأكثر من 20 ألف جريح، وأكثر من 800 ألف فرد خدم في أطول حرب خاضتها أميركا.
وبالطبع عند مقارنة هذه الأرقام بقتلى حرب فيتنام، فهي تمثل 25 مرة أقل من عدد خسائرهم في فيتنام، بينما ما يمكن أن يعزيهم أن عدد ضحايا أحداث 11 سبتمبر كانت 3 آلاف فرد، مقارنة بعدد 2300 فرد من ذهبوا للانتقام لهم في أفغانستان.
ولعل أحد العناصر الصادمة من حرب أفغانستان أن علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها الغربيين على أثر قرار الانسحاب من أفغانستان لن تكون كما كانت في فترة ما قبل اتخاذ بايدن ذلك القرار، وخاصة في العلاقات البريطانية الأميركية وكذلك في علاقتها مع فرنسا، وقد تكون لها أيضاً تداعيات على مستوى وحدة دول الحلف الأطلسي.
لم تكن علاقات الرئيس السابق دونالد ترامب مع «أوروبا القديمة»، التي كان ينعتها به رامسفيلد وزير الدفاع السابق في عهد بوش من الحزب الجمهوري، لهذا لم يكن من المستغرب أن يتم قرار الانسحاب الأميركي من أفغانستان وفق اتفاق الدوحة بين أميركا و«طالبان» في فبراير (شباط) من العام الماضي من دون وجود تنسيق مع الحلفاء الغربيين.
لذلك استبشر الأوروبيون خيراً بفوز الرئيس جو بايدن الذي أعلن في خطاب تنصيبه عن انفتاح أميركا على أوروبا، وأن أميركا ستعود مجدداً إلى قيادة العالم الحر، ولكن أثبتت أحداث أفغانستان الأخيرة أنه لم يقم بالتشاور والتنسيق مع حلفائه في الاتحاد الأوروبي، ولا مع حليفته التقليدية بريطانيا، ونتيجة لذلك واجه رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون نقاشاً صاخباً في جلسة مجلس العموم البريطاني في الأسابيع الماضية من قبل قيادات بارزة من حزب المحافظين، وخاصة من قبل رئيسة وزراء بريطانيا السابقة تيريزا ماي، ونواب آخرين الذين تساءلوا إذا كانت السياسة الخارجية لبريطانيا تقرر في لندن أم في واشنطن؟ وكذلك انتقد علناً وزير الدفاع البريطاني بن والاس القرار الأميركي بالانسحاب من أفغانستان، لكنه أكد أن الالتزام البريطاني في أفغانستان الذي كلف 457 جندياً بريطانياً حياتهم خلال 20 عاماً من التدخل «لم يذهب سدى»؟
وأشار عدد من المراقبين فشل رئيس الوزراء جونسون إقناع الرئيس بايدن عند عقد اجتماع قادة مجموعة الدول السبع، الذي دعا إليه بتمديد المهلة التي وضعتها الولايات المتحدة للانسحاب، وطالب بعض الكتاب البريطانيين أن على بريطانيا استخلاص الدرس من العمل الأحادي الأميركي، وأن عليها إعادة بناء الجسور مع حلفائها في الاتحاد الأوروبي، ووضع مسألة التنسيق الميداني المشارك في الشؤون الدفاعية مع فرنسا وألمانيا عوضاً عن الولايات المتحدة كأولوية عظمى، بدلاً من صرف المليارات على المعدات العسكرية نفسها. في ذلك الوقت قد يتمكن الأوروبيون من قيادة عمليات الحلف الأطلسي من دون أميركا، لكن على أعضاء الناتو أن يفعلوا ما كانت الولايات المتحدة تطالبهم بفعله دوماً، وهو زيادة موازنتهم الدفاعية… وللحديث بقية.