بقلم: فيصل عابدون – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – يعد اتفاق اندماج قوات رئيس جنوب السودان وقوات المعارضة في مؤسسة عسكرية موحدة خطوة مهمة واختراقاً حاسماً في ملف السلام المتعثر منذ توقيع اتفاق اقتسام السلطة بين الرئيس سلفاكير ميارديت، ونائبه رياك مشار، في عام 2018.
وتعود حالة الجمود والمراوحة التي خيّمت على مسيرة السلام منذ ذلك التاريخ إلى تعثر تطبيق بند الترتيبات الأمنية، وبقاء قوات الطرفين في معسكرات منفصلة، بسبب الافتقار إلى التمويل والدعم اللوجيستي، وكان هذا الوضع يثير القلق على أكثر من صعيد، ويهدد الاستقرار الهش الذي صنعه اتفاق السلام.
وبحسب تصريحات وزير شؤون رئاسة جنوب السودان مارتن لومورو، فإن سلفاكير ومشار اتفقا على دمج الجيوش المختلفة في مؤسسة عسكرية واحدة، تسيطر على قيادة الأمن القومي في البلاد، ويتضمن الاتفاق تقاسم تشكيل هذه المؤسسة بنسبة 60% لقوات سلفاكير، و40% لقوات مشار ومجموعات معارضة أخرى أصغر حجماً.
وعلى الرغم من شح المعلومات المتعلقة بتفاصيل الاتفاق الجديد، فإنه يمكن الاستنتاج بأنه خطوة تكميلية، وليس بديلاً لاتفاق الترتيبات الأمنية، وهي في كل الأحوال خطوة تتميز بالمرونة والإرادة، لتخطي العقبات التي تعرقل تنفيذ الاتفاق المبرم حول الترتيبات الأمنية، كما يمكن الاستنتاج أيضاً أن تصريحات الناطق باسم مشار حول عدم توصل الطرفين لاتفاق لا تعدو عن كونها تعد احتجاجاً مبطناً لإعلان الصفقة بشكل أحادي.
وربما كانت المعارضة تخطط لإعلان الاتفاق عبر مؤتمر صحفي مشترك للرئيس ونائبه، واستبق إعلان الناطق باسم الرئاسة في جوبا هذا الترتيب وأفسده؛ إذ إن المتحدث باسم المعارضة لم ينفِ وجود مناقشات بين سلفاكير ومشار حول اقتسام السلطة، لكن بحصص مختلفة عما تم الإعلان عنه.
وما يعزز الثقة بأن الاتفاق حقيقة واقعة، أن رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، قام بزيارة رسمية إلى جوبا قبل أسبوع من إعلان اتفاق إنشاء الجيش الجنوبي الموحد، وشملت الزيارة كذلك لقاءات مغلقة مع الرئيس سلفاكير ونائبه مشار وفي كواليس هذه اللقاءات أنها ركزت على الدفع باتجاه استحقاقات السلام والضمانات الضرورية، لتعزيز الاستقرار، وبدء انطلاق أعمال الحكومة الانتقالية.
توقيت التحرك الدبلوماسي السوداني يبدو ملائماً، ويتوافق مع الجهود التي بذلتها حكومة جوبا، وأثمرت توقيع اتفاقات سلام مع الحركات المتمردة في دارفور والنيل الأزرق، كما أن الخرطوم التي تعاني هي الأخرى تعثر تنفيذ بند الترتيبات الأمنية ودمج ميليشيات المتمردين السابقين، يمكن أن تجد في الاتفاق العسكري الجنوبي بعض الإلهام والدروس والعبر.
ومن الواضح أن اتفاق سلفاكير ومشار قد أطلق رصاصة الرحمة على تمرد الجنرال سايمون قاتويج، الذي تحرك مع جنود وسياسيين لنزع زعامة مشار، فهذا الاتفاق يكرّس زعامة نائب الرئيس وشراكته في الحكم، ويهزم مطالب المتمردين وينزع بالمقابل عن زعيمهم الشرعية ويحوله إلى جنرال منشق خارج عن القانون، وبالقدر ذاته فإن الاتفاق يحقق مكاسب تبدو مهمة وضرورية للرئيس سلفاكير، ويدعم صورته القيادية كزعيم قومي ورجل سلام.