الرئيسية / مقالات رأي / انتخابات المجالس الشّعبية الجزائريّة رهينة التّنظيمين التّقليدي والكولونيالي

انتخابات المجالس الشّعبية الجزائريّة رهينة التّنظيمين التّقليدي والكولونيالي

بقلم: أزراج عمر – النهار العربي 

الشرق اليوم – بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ها هي مؤسسة الرئاسة الجزائرية تحاول استكمال ما تبقى من الدورة الكاملة للانتخابات. وفي هذا الإطار، وقّع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، يوم السبت الماضي، مرسوماً رئاسياً يقضي باستدعاء الهيئة الوطنية الناخبة تحضيراً لانتخابات المجالس الشعبية البلدية والولائية (المحافظات)، المقررة يوم 27 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وتضمّن هذا المرسوم الرئاسي قرار مراجعة قوائم المنتخبين والمنتخبات انطلاقاً من الأسبوع الأول من شهر أيلول (سبتمبر). 

وينبغي التذكير بسرعة بأن الرئيس تبون أجرى خلال مدة قصيرة تعديلاً على مستوى رؤساء الدوائر، كما عيّن الأسبوع الماضي عدداً من الولاة (المحافظين)، ويعني هذا في التقاليد السياسية الجزائرية إزالة ما تبقى من المسؤولين المحليين المحسوبين على المرحلة التي تمكّن الحراك الشعبي من زلزلتها. 

في هذا السياق، ينبغي طرح الأسئلة الآتية: هل يملك النظام الحالي بقيادة الرئيس تبون خريطة طريق جديدة، تقضي بإحداث تغيير راديكالي في أسلوب عمل البلديات والمجالس الولائية التي لم تقدر، منذ الاستقلال، أن تتخلص من بيروقراطيتها ومن ممارساتها التي لم تنتج إلى يومنا هذا أيّ تحوّل اجتماعي تحديثي في الجزائر العميقة، على مستوى الأرياف في شمال البلاد ووسطها وجنوبها، وفي المدن الداخلية الصغيرة والمتوسطة والكبرى التي ما فتئت تعاني جميعاً من سوء التسيير اقتصادياً وتعليمياً وثقافياً وصناعياً وفلاحياً وخدمات اجتماعية؟ 

ثم، هل استيقظ النظام الجزائري الحاكم أخيراً، وصار يدرك أن التنمية الحقيقية في الجزائر مرهونة جوهرياً بتغيير الموقف التقليدي المتخلّف من البلديات الريفية، والنظر إليها باعتبارها المسرح الحقيقي لأي تحوّل منتج للثروات الرمزية والمادية، ومقياس أي تقدم وتطور مختلف البنيات والمؤسسات الوطنية؟ وهل لدى الرئيس تبون وفريقه رؤية حداثية لتنظيم البلديات على أساس الدراسة العلمية لواقع المجتمع الجزائري وتطلّعات سكانه؟ 

من المعروف أن الإحصائيات الرسمية أفادت بأن عدد بلديات الجزائر 1548 بلدية، تتوزع على 58 محافظة و553 دائرة إدارية. ويلاحظ المختصون في التنظيم الإداري الجزائري أن هذا العدد القليل من البلديات لا يتناسب مع مساحة البلاد الهائلة التي تتجاوز مليونين وأكثر من ربع مليون كلم مربع، والتي تعادل تقريباً ثلاثة أرباع مساحة أوروبا الغربية برمّتها، منها فرنسا التي فيها 36569 بلدية، علماً أن مساحتها لا تتجاوز مساحة محافظة جزائرية واحدة كبيرة، مثل محافظة أدرار أو محافظة تمنراست الواقعتين في الصحراء الجزائرية.

اللافت للنظر هو أن الجزائر، في ظل هذا التنظيم السائد المتحكم بالبلديات، وفي الدوائر والولايات (المحافظات)، لم تنجز التنمية الحداثية الشاملة جراء عوامل عدة، منها البيروقراطية المركزية التي حالت ولا تزال تحول دون الانتقال إلى مرحلة دمقرطة التسيير اللامركزي للشأن العام.

وفي الواقع، فإن النظام الهيكلي للبلديات والدوائر والولايات ليس مبتكراً، بل هو موروث عن الإدارة الكولونيالية الفرنسية، وعاجز عن التجاوب مع متطلبات الاستقلال، وأعني بذلك أن رئيس البلدية في النظام الإداري الجزائري المعاصر هو مجرد شخصية محلية ثانوية، ومحروم من ممارسة الدور الريادي في البلدية التي انتخبته، بل إن الذي يصنع ويطبق القرارات الحاسمة في كل المجالات هو رئيس الدائرة، والوالي (المحافظ) غير المنتخبين، وبذلك نجد النظام الجزائري يصرّ على عدم فكّ الارتباط بالموروث الإداري الكولونيالي لمصلحة التسيير الإداري الديموقراطي الذي يعتمد على البلديات المنتخبة شرعياً. 

وفي الواقع، فإن المكلّفين بالتخطيط الإداري في أعلى هرم الدولة لم يربطوا شؤون التنمية أيضاً بمضاعفة عدد البلديات في كل ولاية، وجراء ذلك بقيت البيروقراطية سيدة الموقف، تنخر فضاءات البلديات الجزائرية.

كما أن البنية الإدارية البيروقراطية الجزائرية لم تقم بأي إصلاح تحديثي وفق معايير وطنية مبتكرة ومزاج مرحلة الاستقلال، وبالعكس فإن جميع الرؤساء الجزائريين الذين تداولوا على الحكم أبقوا على التنظيم الهيكلي الاستعماري الفرنسي، أو قاموا بترقيعات ذات طابع براغماتي لا طائل من ورائها. مثلا، أحدث الرئيس الشاذلي بن جديد تقسيماً إدارياً مسيّساً، وفي ضوئه أُنشئت مجموعة من الولايات والدوائر الجديدة على أنقاض ولايات قديمة، وكان القصد الظاهري الذي رُوّجَ آنذاك لمثل هذه العملية هو التخفيف من أعباء البيروقراطية، ولكن القصد الحقيقي المضمر كان تقسيم الولايات ذات الأغلبية السكانية الأمازيغية خاصة إلى ولايات مجهرية مساحة وكثافة سكانية، من أجل تحقيق هدف سياسي يتمثل في تجريدها من تأثير ثقلها السياسي  والبشري، وفي خلط أوراق هويتها وفرادتها الثقافية واللغوية عن طريق تهجينها بسكان نقلوا إليها من ولايات أخرى. ويلاحظ أن هذا الوضع لم يشهد تصحيحاً يُذكر في مرحلتي حكم اليمين زروال وعبد العزيز بوتفليقة.

ففي إطار تحليل الأسس الواهية للبنية الإدارية في الجزائر، نجد الكثير من الخبراء المنشغلين بقضايا التنمية الجزائرية يعيدون مصدر الأزمات التي تعاني منها الجزائر، على مدى سنوات طويلة، إلى إخفاق هذه البنية المفروضة على المجتمع الجزائري، والمتمثلة في تلقيح نموذج التنظيم الإداري البدائي المحلي القديم جداً بالنموذج الكولونيالي الذي ما فتئت تعمل به البلديات منذ الاستقلال، وهو ما تسبّب في ترسيخ عنصرين وهما الجهوية والمركزية، في ظل سيطرة وزارة الداخلية على البلديات والدوائر والولايات.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …