بقلم: سالم سالمين النعيمي – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – تشن الأمم الحروب النفسية، ويظل تأثيرها دائماً في حياة تلك الشعوب الضحية لتمسّ حتى مسلماتها وتجعل المجتمعات تنقلب على بعضها البعض في ديناميكية عبقرية، كما لا تتوانى عن شن «الحروب الروحية»: وهي تقزيم وشيطنة الدين من خلال تسميم المفاهيم والقيم الروحية والأخلاقية، وصناعة أفكار وأشخاص وجماعات يقومون بعزل القيم الروحية عن المجتمعات.
الحرب النفسية (عمليات الإقناع القسري) تعمل على التلاعب بعقول الشعوب من خلال عمليات غسل الأدمغة، وتغيير الأفكار باستخدامات متنوعة مثل صناعة الرأي العام والمزاج العام، والتشكيك الممنهج والتسويق الدعائي للقناعات، وزراعة بواعث الفخر الإقصائي من منافذ الدين والأصل والفصل والانتماء العرقي والقومي والقبلي والعائلي والجغرافي، وغيرها من عوامل تؤكد على مفهوم داخل وخارج المجموعة، والانتماء لمجموعة دون غيرها واتّباع الأغلبية، والطاعة الاجتماعية والتكرار البرمجي وإيصال الإنسان إلى أن يكون الإيحاء الذاتي الخاص به خارج تحكمه.
ويعتبر الكولونيل «بلاو»، أول من وضع أسس الحرب النفسية في عام 1935، إذ كان يشغل منصب رئيس المعمل النفسي بوزارة الدفاع الأميركية، بينما كان أول ظهور لهذا المصطلح بشكل رسمي على يد الأميركي «لينبارجر» سنة 1954 حيث يقول: إنها الاستخدام المنظم للدعاية والتدابير الإعلامية المقاربة، بهدف التأثير في آراء وعواطف فئات الأجانب في البلدان المعادية من أجل تحقيق أهداف السياسة القومية أو الأهداف العسكرية، وتطور المفهوم مع مرور السنين، حتى أصبح من أهم أسلحة الدول المتقدمة لهزيمة الخصوم والنيل من الإرادة الوطنية للشعوب، بينما تركز أبحاث الحرب النفسية في المجال العسكري على عمليات نقل المعلومات والمؤشرات المختارة إلى الجماهير، وذلك للتأثير على عواطفهم ودوافعهم ومنطقهم الموضوعي، وفي نهاية المطاف التأثير على سلوك الحكومات والمنظمات والمجموعات والأفراد.
ومن جهة أخرى توسع استخدام الحرب النفسية في الأغراض التجارية والصناعية والسياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها من مناحي الحياة، ولم يعد الغرض من العمليات النفسية هو تحريض أو تعزيز السلوك المؤيد لأهداف وعمليات دولة ما، وما تقوم به من مشاريع وحملات وسياسات وأنشطة دبلوماسية وعسكرية واقتصادية، مما يؤدي إلى إضعاف قدرة الخصم على إجراء العمليات العسكرية أو الاقتصادية أو استمرارها، إلى جانب تعطيل عملية صنع القرارات لدى الخصم وإرباكها وإطالة أمدها، مما يقوّض القيادة والسيطرة ويهدد وحدة الجهد ويهدر الموارد والمقدرات الوطنية.
أما اليوم، فالحرب النفسية امتزجت كجزء من الهندسة السياسية بالتوظيف المتكامل للقدرات الأساسية للحرب الإلكترونية والذكاء الصناعي ووسائل التواصل الاجتماعي، وعمليات شبكات الكمبيوتر والعمليات النفسية الذكية، والخداع والإيهام الجماعي للتأثير أو التعطيل أو فساد اتخاذ القرارات العدائية سواءً كانت بشرية أم آلية.
وأصبحت المواد الإعلامية والترفيهية الفنية والرياضية والثقافية، وحتى العلمية اليوم هي الساحة الأكبر والأهم لتجنيد الشعوب ككتلة وليس كأفراد، حيث إن ما يجري في الوقت الحاضر للتأثير على مختلف الأجيال، ومختلف طبقات المجتمع من خلال الرسائل اللاشعورية وعرض رسائل مموهة للجمهور، يهدف إلى جعلهم يرغبون في شراء حاجة ما، أو كره شخصية ما، أو ممارسة سلوك معين وقبول من يمارسونه، والإعجاب بثقافة أو شخصية عالمية وجعلها قدوة ومثلاً أعلى.
وهي التجارب التي بدأت منذ عام 1957 من قبل وكالة المخابرات المركزية الأميركية (CIA)، واستخدام الرسائل اللاشعورية كشكل من أشكال التلاعب وزرع الأفكار وفهم الإمكانات التشغيلية للإدراك اللاواعي، واستخدام نتائج علم النفس الاجتماعي والاقتصاد السلوكي لتحديد الأخبار التي نقرأها ونشاهدها، والمنتجات التي نشتريها، والمجالات الثقافية والفكرية التي نعيش فيها، والشبكات الاجتماعية عبر الإنترنت وفي الحياة الواقعية التي نحن جزء منها، ولذلك يجب ألا ننقاد لشعارات مثل «الانتخابات الحرة» و«الشعوب هي التي تختار الممثل الذي تراه الأنسب لها».