الشرق اليوم- ساعات قليلة وتدخل أفغانستان في مرحلة ما بعد الوجود الأمريكي، وخلالها تتسارع عمليات الإجلاء عبر مطار كابول الذي استقطب الأنظار على مدى أسبوعين بمشاهد الخروج الفوضوي، وحدوث مجزرة رهيبة نفذها تنظيم “داعش” الإرهابي، أودت بحياة العشرات من الضحايا، بينهم جنود أمريكيون. أما ما يشغل الأفغان والمراقبين فيتعلق بما سيحدث في اليوم التالي بعد استكمال الانسحاب الأجنبي.
الحقيقة المؤكدة الآن أن الأمر صار لحركة “طالبان” التي باتت تسيطر على البلاد، وسط انتظار مشوب بالقلق من عهدها الجديد، ومن المؤشرات الأمنية الخطرة مع تسلل أطراف إرهابية مثل تنظيم “داعش- خراسان” إلى المشهد عبر تحركات وهجمات تُنبئ بأن المرحلة الأولى قد تكون صعبة إذا لم يتم الإمساك بزمام الوضع. وما يؤكد هذه المخاوف اضطرار القوات الأمريكية للقيام ببعض العمليات كتلك التي استهدفت فيها العقل المدبر لهجوم الأسبوع الماضي، ولا شيء يمنع من تكرار الضربات العسكرية مستقبلاً طالما أن هناك تهديداً صريحاً لعملية الانسحاب. ولا أحد بإمكانه أن يقدر ما يمكن أن تحمله الأيام المقبلة، في ضوء الشوائب التي تحيط بما بعد 31 أغسطس/آب. فبينما يقول الأمريكيون: “إن الإخلاء سيستمر عبر تفاهمات”، لا تبدي “طالبان” موقفاً، وهذا الغموض من شأنه أن يترك الأمر ملتبساً وخاضعاً للتأويل، ولا يحتكم إلى التزامات واضحة.
بعد سيطرة “طالبان” على كابول وانهيار النظام السابق، يبدو أن ترقب تشكيل سلطة جديدة سيتطلب بعض الوقت، فلا بوادر واضحة لتشكيل حكومة تتحمل المسؤولية أمام الشعب الأفغاني والمجتمع الدولي، ولا وجود لخطة سياسية معلنة تكشف طبيعة النظام الجديد ومكوناته. وبينما تقول “طالبان” إن حكومتها ربما ترى النور خلال أسبوعين، بدأ زعماء مخضرمون معارضون للحركة في توحيد صفوفهم في جبهة تفاوض، لبحث مصير الحكم المنتظر في أفغانستان، والدور الذي يمكن أن يلعبوه في السلطة كشركاء، ولكن ماذا لو فشلت المفاوضات وانفردت “طالبان” بالقرار؟، ربما يكون الوضع في غاية السوء في ظل حالة التوجس والحذر التي تسيطر على العديد من الأطراف الأفغانية، ومن بينهم المتحصنون في “وادي بانجشير” الشهير.
بعد الانسحاب التام سيظل الشبح الأمريكي قائماً في أفغانستان لتتبع مسار تشكيل السلطة الجديدة، ومراقبة بعض التنظيمات الإرهابية، ولكن واشنطن، ربما لن تكون لاعباً مؤثراً في المدى القريب، في ظل الاهتمام الإقليمي بالوضع الأفغاني، وانتظار دول الجوار، وخصوصاً الصين وروسيا وإيران وباكستان، فهذه الدول لديها مصالح متباينة، ووجهات نظر مختلفة، وبيدها أدوات، قد تزيد أو تنقص، ولكنها ستكون حاسمة في تشكيل الوضع الأفغاني. فالكل يتخوف من الآتي، ويأمل في استقرار الوضع، وألا تكون أفغانستان مجدداً أرضاً تموج بالقلاقل، وتنبعث منها أنباء المعارك والتطرف. وقبل كل شيء، فإن هذا الهدف المشروع مصلحة للعالم بأسره، وضرورة للأمن الدولي حتى لا تظل تلك البلاد بؤرة دائمة للتوتر، عسى أن تذوق طعم الاستقرار يوماً بعد أربعة عقود من الغزو والحرب والإرهاب.
المصدر: صحيفة الخليج