افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – انعقاد مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة، جاء في وقته ليقدم دعماً غير مسبوق للعراق الذي عانى لسنوات طويلة الحروب والفتن والإرهاب، ويدشن عهداً جديداً يطوي صفحة الخلافات والتوترات الدبلوماسية بين دول المنطقة، ويساعدها على الانطلاق في مشاريع نهضوية وتنموية تعود بالفائدة على الجميع وتسهم في ترسيخ الاستقرار والسلام، مستفيدة مما يجمعها من علاقات تاريخية وحضارية، وما تمتلكه من تنوع في الثروات والموارد.
صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، استبشر خيراً بانعقاد المؤتمر في «عاصمة الرشيد والمأمون وعاصمة العالم، دار السلام، بيت حكمة البشر»، كما وصفها سموه لدى وصوله إليها. وتلك الكلمات المفعمة بالحب والصدق والاعتزاز بالتاريخ، تعبر عن ثقة دولة الإمارات بالعراق وبما يمكن أن يلعبه من دور يكمّل عناصر نهضة جديدة ترنو إليها شعوب المنطقة، وتأمل تحقيقها في أقرب الآجال. ويبدو أن هذا الحلم ليس بعزيز، وبالإمكان أن يكون واقعاً حياً بتضافر كل الأطراف وفي إطار من الشراكة والتعاون والتضامن مع الأشقاء والأصدقاء.
معالم مرحلة جديدة تتشكل في المنطقة، ولقاءات محمد بن راشد على هامش قمة بغداد أكدت أن المنطقة تسير نحو الخير والتقدم والازدهار بروح جديدة، وعلى المصير الخليجي الواحد، وعلى أهمية العلاقات الإيجابية مع دول الجوار؛ علاقات تقوم على مبادئ الحكمة ومصلحة الشعوب.
مؤتمر بغداد، ربما يكون محطة أولى لوضع خريطة جديدة لدول المنطقة ترسمها تفاهمات مشتركة تتعلق بالأمن والاقتصاد، وتتأسس على الإنجازات التي تحققت في الحرب على الإرهاب. والعراق الذي كان ساحة المعركة الرئيسية ضد تنظيم «داعش» الإرهابي، ها هو يحتضن المؤتمر الطموح، وفي ذلك دعم ووقوف إلى جانبه لاستكمال مراحل استعادة الاستقرار واستكمال بناء مؤسسات دولته، حتى يتعافى نهائياً ويؤدي دوره الإقليمي والعربي بعد عقود من انعدام الاستقرار. وهذه المعاني ترجمها القادة الحاضرون في بغداد بكلمات صادقة، إلى العراقيين بمختلف أطيافهم ليتّحدوا ويبنوا مستقبلهم معاً، من أجل أن يعود بلدهم إلى وضعه الطبيعي في قلب المنطقة وليس على هامش التطورات.
يحق لشعوب المنطقة جميعها أن تتفاءل وأن تستبدل حقبة التوتر والخلافات بعهد واعد يشرق من بغداد، فالمكان له دلالاته التاريخية والحضارية، والمستقبل كالماضي لن يكون إلا مشتركاً وجامعاً لا مفرقاً. وقد تكون هذه هي رسالة المؤتمر الإقليمي الذي نثر زخات من التفاؤل، وأعاد إلى الأذهان الكثير من العلامات المضيئة، فـ«عاصمة الرشيد وبيت الحكمة» يمكن أن تلعب هذا الدور، وتكون جسراً للتواصل والتعاون من أجل مستقبل للمنطقة ينبض بالخير والسلام.