بقلم: د.طارق فهمي – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – سيظل العالم في حالة من الارتباك في التعامل مع حركة طالبان. فالعالم لم ينقسم تجاه التعامل مع الحركة، ووجودها الراهن بل انقسم في آليات التعامل معها، وهو ما سيمثل إشكالية حقيقية في المدى المنظور خاصة، وأن الحركة ما تزال تسعى للانفتاح على العالم وإعادة تقديم نفسها للواجهة الدولية بعد عشرين عاما قد مضت، وهو ما سيمثل نقلة نوعية في التعامل بين الحركة وبين مسعاها لتأكيد حضورها الدولي وهي تعود للحكم.
والملاحظ أن دولا مثل الولايات المتحدة وبريطانيا أعلنت التعامل مع الحركة في ظل عدة شروط شكلية، وفي ظل احترامها للمرأة وقواعد الديمقراطية، وهو أمر سيطول تنفيذه في ظل ممارسة سياسية حقيقية، وبالتالي فإن الموقف الأميركي يتفق مع الموقف الأوروبى في حتمية التعامل مع طالبان، وفي ظل تأكيدات بأن الحركة ستستمر في الحكم برغم التسليم بأنها ستواجه معارضة وطنية في شمال شرق أفغانستان، وتنامي المقاومة التي يمثلها أحمد مسعود شاه وأمر الله أمان. نظام الحكم لن يستتب لحركة طالبان، خاصة في ظل احتمالات دخول الحركة في مواجهات مفتوحة مع جيوب من المعارضة، وفي ظل مخاوف من انفتاح المشهد على سيناريوهات متعددة.
وهذا يعني أن فكرة الحوار ستكون مطلوبة من الغرب، ومن دول الجوار، ما سيؤدي لتعويم دور حركة طالبان، وإعادة تموضع وجودها الرسمي. وهنا مكمن الخطورة، المتمثل في القفز على ما يجري من فشل دولي بالتركيز على دور الحركة، ويدفع لحوار مفتوح بين الدول الغربية، والحركة حول سبل مواجهة الإرهاب، وكيفية التعامل معها تخوفا من احتمالات انتقال الأزمة إلى أوروبا، عبر نازحين وطالبي لجوء، حيث لن تنجح السياسة الأميركية في مواجهة الظاهرة بمفردها حتى لو تزايدت الأعداد إلى آلاف المتقدمين للحصول على حق الإقامة في الأراضي الأميركية، الأمر الذي يجب التعامل معه بصورة مباشرة، ومن خلال رؤية غربية تشمل دول الاتحاد الأوروبي، ولو من خلال نظام المحاصصة لكل دولة وفق ظروفها.
التعامل الدولي مع النظام الجديد في أفغانستان سيتطلب مراجعات محددة لمواجهة ما سيجري ليس في أفغانستان، وإنما أيضا في الدول المجاورة، مع ملاحظة انفتاح بعض هذه الدول على إقامة علاقات مباشرة مع حركة طالبان مثل الصين.
كما أن روسيا وضعت أسساً للتعامل مع الحركة انطلاقا من مصالحها الإستراتيجية، وهو ما سينطبق أيضا على دول الاتحاد الروسي، وهو ما يدركه قادة الحركة في الوقت الراهن. وبالتالي فإنه – ومن الآن – ستكون هنالك مقاربة حقيقية للتعامل، وسيكون الحوار مع الحركة مستهدفا بالنسبة للعديد من الدول التي تتبارى في الوقت الراهن لطرح مقاربات التعامل معها، ما يتطلب مواقف محددة بدلا من الهرولة نحو الحوار، وكل حسب مصالحه مع الحركة حيث ستسقط تباعا المتطلبات التي تحدث عنها الجميع للانفتاح على طالبان، بدليل تخطيط الصين لإلحاق أفغانستان بسلسلة من مشروعات الغاز والنقل اللوجستي، وتخطيط روسيا لإلحاق أفغانستان بمنظومة التعاون الإقليمي مع الاتحاد الروسي، وهو ما ستتبعه الهند وإيران، بل وستعمل تركيا في مناطق التماس في ظل استراتيجية مرنة على سيناريوهات مفتوحة، وفي إطار ما يجري مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.
فكرة المواجهة أو الحوار محسومة لصالح حركة طالبان، والتي ستزايد على دورها في التعامل مع منظومتها الإقليمية والدولية، كما أن شبكة تحالفاتها المستجدة ستعمل وفق ضوابط سيلتزم بها الجانبان الغرب والحركة، وفي إطار محدد شعاره المصالح أولا، وليس أي معيار آخر.