بقلم: رندة تقي الدين – النهار العربي
الشرق اليوم – يتخوف البعض في الغرب وفرنسا من تحول التصعيد الذي تشهده العلاقات الجزائرية المغربية، بعد إعلان وزير خارجية الجزائر عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة المغربية، إلى مواجهة عسكرية. فمنطقة المغرب العربي بغنى عن نزاع إضافي في هذه المنطقة المجاورة لفرنسا وإيطاليا وإسبانيا. فالأوضاع الليبية ما زالت متدهورة، والوضع في تونس سيئ على كل الأصعدة. ودول الاتحاد الأوروبي المعنية مباشرة بالجزائر والمغرب، منها فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، تنظر بقلق الى التصعيد بين البلدين مع السعي الى التهدئة بينهما. قالت الناطقة الرسمية باسم الرئاسة الفرنسية أمس إن البلدين شريكان أساسيان لها، وإنها تبقى حريصة على الحوار وتوسيع الروابط بين دول هذه المنطقة لضمان استقرارها وانتعاشها.
ولكن التصعيد بين البلدين بدأ بالاعتراف الأميركي في عهد دونالد ترامب بمغربية الصحراء الغربية، وتأكيد هذا الواقع الجديد في عهد الرئيس بايدن مقابل تبادل العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل. واشتد غضب الجزائر التي تساعد وتدعم نفوذ البوليساريو على الصحراء الغربية منذ عقود. أما المملكة المغربية فهي أيضاً غضبت منذ بضعة أشهر من استقبال إسبانيا في أحد مستشفياتها قائد البوليساريو إبراهيم غالي، ودفعت إثر ذلك بعض المواطنين النازحين المغاربة الى منطقتي سبتة ومليلة في إسبانيا، ما أغضب إسبانيا ودول الاتحاد الأوروبي. يظهر اليوم التصعيد الجزائري كأنه إلهاء الرأي العام الشعبي الداخلي عن وضع سيئ، ومحاولة التعبئة وتوحيد صف البلد ضد جار بقيت العلاقات معه متسمة بالخلافات. والتوتر عائد الى ما قبل بضعة أشهر، مع بعض المواجهات التي حدثت بين قوات مغربية وعدد من أعضاء البوليساريو، ما اعتبره الجانب الجزائري خرقاً في منطقة وقف إطلاق النار. ثم تفاقم الغضب الجزائري إثر الاعتراف الأميركي بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، ما أدى الى اتهامات جزائرية بتجسس مغربي بآليات إسرائيلية عليها. وما زاد الغضب الجزائري هو دعم المغرب حركة منطقة القبائل الجزائرية المعروفة بالماك التي تنادي باستقلال منطقة القبائل الجزائرية، وهو خط أحمر بالنسبة للنظام الجزائري. أما اتهامات الجزائر بأن المغرب له يد في الحرائق التي أشعلت مناطق عدة في الجزائر، فهي أيضاً من ضمن هذا التصعيد بين البلدين، علماً أن العاهل المغربي أقدم على مد يد المملكة للجزائر، ولكن تقصير الأخيرة في مكافحة الحرائق وفي قضايا عديدة أخرى حملها على هذه الخطوة المسيئة للبلد ولمنطقة المغرب العربي التي لا تحتاج إلى صراع إضافي. وليس من مصلحة فرنسا أن تكون منحازة لموقف أي من البلدين، لأن ارتباطها بهما وثيق وإن كان متسماً بالمطبات العديدة مع الجزائر التي ما زالت تصر على فرنسا أن تعتذر لتاريخها في الجزائر وللفظائع التي تمت في ظل الاستعمار الفرنسي فيها. ولكن رغم ذلك تعتبر فرنسا البلدين شريكين أساسيين لها. وعدد الفرنسيين الذين اشتروا منازل وتقاعدوا في مراكش وفي مدن مغربية أخرى كبير. فالمواطن الفرنسي يحب المغرب لأنه مرحب به في البلد، في حين أن العلاقة الجزائرية الفرنسية على صعيد الشعب مختلفة، إضافة الى أن أرض الجزائر ليست أرض سياحة وغير مرحبة بالمستعمر السابق. في حين أن طموح أغلبية الجزائريين هو الحصول على تأشيرة لزيارة فرنسا. والمواطن الجزائري يشاهد محطات التلفزيون الفرنسية ويقرأ الصحف الفرنسية، في حين أن النظام العسكري الجزائري يزرع باستمرار مبدأ المؤامرة الفرنسية على الجزائر في ذهن المواطنين الجزائريين لإبعادهم عن انتقاد السلطة وتقصيرها. فالمنظومة العسكرية الجزائرية فضلت تحويل استياء شعبي تحرك ضدها بخلافها المفتعل مع المغرب. فحاولت المنظومة الجزائرية إخماد الحراك بتوقيف بعض رموز المنظومة باتهامهم بالفساد دون معالجة الأسباب العميقة لاستياء الشعب من فشل المنظومة الحاكمة. ونسبة لفرنسا تبقى كل من الجزائر والمغرب دولتين أساسيتين لها. وعندما تسلم الرئيس الاشتراكي فرانسوا هولاند الرئاسة الفرنسية اختار مثلاً الجزائر لأول زيارة يقوم بها للخارج، على عكس رؤساء فرنسا تقليدياً الذين يبدأون بزيارة المغرب. وعاد الرئيس إيمانويل ماكرون الى التقليد، إذ قام بزيارة للرباط في أول عهده.
فقضية الصحراء الغربية، حسب دبلوماسي دولي تابع الموضوع عن قرب، قد تستمر الى الأبد من دون حل، علماً أن الإدارة الأميركية اعترفت بسيادة المغرب على هذه الأرض. وفرنسا دعت الى حل في إطار الأمم المتحدة والحوار بين الأطراف، ولكنها رأت أن خطة المغرب التي قدمها للشعب الصحراوي للحكم الذاتي في الصحراء الغربية تمثل أساساً للتفاوض، ما أغضب الجزائر. فالدول الأوروبية المرتبطة بالدولتين بفعل قربها منهما تبذل الجهود للتهدئة ولمنع أي مواجهة عسكرية بين الاثنتين.