الرئيسية / مقالات رأي / ظاهر علاقات أمريكا-طالبان ليس كباطنها وانسحاب أفغانستان يفتح الحرب الباردة المستجدة

ظاهر علاقات أمريكا-طالبان ليس كباطنها وانسحاب أفغانستان يفتح الحرب الباردة المستجدة

بقلم: رياض قهوجي – النهار العربي

الشرق اليوم- سيمضي وقت طويل قبل أن تتوقف الدراسات والتحاليل حول انتصار طالبان في أفغانستان ضد دولة عظمى لم تتمكن طوال عشرين عاما من فرض ارادتها وتكرار التجربة اليابانية فيها. فالحلم الأمريكي بأنها ستتمكن من تحويل افغانستان الى دولة ديمقراطية كما فعلت في اليابان بعد استسلام الأخيرة لها في آخر الحرب العالمية الثانية، انهار أمام التصادم بين الحضارات الغربية والاسلامية في أفغانستان وضربات “طالبان” التي استفادت من الانقسامات الداخلية والايديولوجية في أمريكا التي أثرت على سياستها الخارجية، ومن سوء إدارة الحكم وانتشار الفساد في الحكومة الأفغانية الموالية لأمريكا. لكن الأمور في أفغانستان قد لا تكون كما تبدو عليه اليوم للعين المجردة، وشكل الصراع الذي قد يولد فيها ومنها سيكون جزءاً من حرب باردة أكبر. 

تشير التقارير الأخيرة الى أن سر سرعة سيطرة “طالبان” على أفغانستان هو ليس تفوقها العسكري بل رفض غالبية قيادات الجيش والعناصر للقتال دفاعا عن حكومة فاسدة في بلد أكثر من 70 بالمئة من سكانه تحت خط الفقر. فأمريكا لم تخلف في أفغانستان أكثر من نظام حكم وضع على مفاهيم وأسس الليبرالية الديموقراطية الغربية، والذي بدوره لم ينتج قيادات ناجحة اهتمت بحاجات شعبها، بل أنتج سلطة وقيادات فاسدة لم تساعد في تطوير البلد وتحسين مستوى المعيشة فيه مما أبقى جزءاً كبيراً منه بيئة مرحبة وصديقة لطالبان وعقيدته. وهكذا كانت النتيجة، القلة من بضعة آلاف من الأفغان الذين خدموا أمريكا والغرب زحفوا الى مطار كابول يستجدون مكاناً على طائرة أو جناحها للفرار من البلد في مشهدية اعلامية ستعيش لعقود من الزمن، شوهت اسم وسمعة الولايات المتحدة كدولة عظمى، وأوجدت علامات استفهام لدى العديد من الباحثين فيما اذا كان زمن الهيمنة أو العظمة الأمريكية عالميا قد انتهى.

أمريكا ليست الدولة العظمى الأولى في التاريخ التي تمنى بهزيمة أمام قوة أصغر منها حجما بكثير. فالأمثلة عديدة في كتب التاريخ عن هزائم تعرضت لها امبراطوريات مثل الرومان والفرس والعثمانيين وبريطانيا، خلال فترة عظمتها أمام قوى صغيرة. وقبل أمريكا هزم الاتحاد السوفياتي في أفغانستان أيضا قبل انهياره لاحقا. الفارق الكبير اليوم هو أن التغطية الاعلامية المباشرة للحدث جعلت وقعه أكبر بكثير حتى من الانسحاب الأمريكي من فيتنام. كما أن حرب فيتنام جاءت في خضم الحرب الباردة بين الغرب والشرق، أما الانسحاب من افغانستان فهو يأتي اليوم مع بداية حرب باردة جديدة لكنها هذه المرة بين أمريكا والصين. وكون أفغانستان في قلب القارة الآسيوية – ساحة الحرب الباردة المستجدة – وتحد مجموعة دول فاعلة في الحرب الجديدة مثل ايران والصين والهند وباكستان وروسيا الاتحادية، وغنية بالمواد الأولية، فهذا يضفي عليها أهمية استراتيجية وجيو-سياسية.

أكثر الأمور التي تشد اهتمام المحللين اليوم هو مراقبة التفاعل بين طالبان وأمريكا والغرب. فالتواصل بين الحكومة الأمريكية وطالبان بدأ منذ زمن، وحتى قبل الاجتماعات التي استضافتها قطر ودول خليجية أخرى بين الجانبين والتي أدت الى الاتفاق الذي وقع في الدوحة العام الماضي بحضور وزير الخارجية الأمريكي حينها مايك بومبيو. فالتواصل بين مسؤولين أمريكيين وقادة “طالبان” بدأ في معتقل غوانتنامو حيث تم تجميع المقاتلين الذين تم أسرهم في أفغانستان بعدما اجتاحتها القوات الأمريكية عام 2001 وأنهت حكم “طالبان “حينها. وها هم اليوم من كانوا أسرى أمريكا يتفاوضون معها ويستلمون المناصب الأساسية في الدولة وآخرهم وزير الدفاع عبد القيوم زكري. ويبدو أن درجة التواصل والثقة بين الجانبين وصلت الى مرحلة لم يشعر معها رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “سي آي اي” ويليام بيرنز بخطر على حياته بلقائه المباشر مطلع هذا الاسبوع مع قادة “طالبان” في كابول. وحتى الآن لم تقرر قوى الغرب وعلى رأسها أمريكا  ما اذا كانت ستعترف بحكومة “طالبان” أو ستصنفها ارهابية وتقاطعها. فقد يكون في “طالبان” الخصم الذي يمكن الاستفادة منه حتى ولو استبدل النظام الديمقراطي بآخر إسلامي أقل تشدداً مما كان عليه في القرن الماضي.

يمكن لواشنطن أن تستفيد بطرق مختلفة من وجود حلفاء أو أصدقاء لها ضمن حكومة “طالبان” من خريجي معتقل غوانتنامو. فلقد تركت أمريكا لـ”طالبان” جيشاً من 300 ألف جندي أفغاني مدرب ومجهز بأسلحة ومعدات حديثة. يمكن لهذه القوة أن تشكل مصدر تهديد لايران مثلاً أو تعيق مشاريع الصين في “طريق الحرير”. المنافس الرئيسي لأي جهة خارجية تريد دورا في أفغانستان ستكون باكستان، الأب الروحي لـ”طالبان” وصاحبة النفوذ الأقوى فيها حاليا بعد خروج أمريكا. لكن هل يمكن لمغريات أمريكية مثل أموال وعقود وصفقات لصالح حكومة طالبان أن تحد من النفوذ الباكستاني؟ وماذا ستفعل الصين وروسيا لضمان مصالحهما في أفغانستان وصد أي محاولة لوجود الغرب؟ والأهم من ذلك، هل ستتمكن طالبان من السيطرة على القبائل وزعماء الحرب جميعا وإخضاعهم لسلطة الدولة التي تريد أن تحكمها؟

الحرب في أفغانستان لم تنته ويبدو  أنها ستدخل مرحلة جديد ضمن الحرب الباردة المستجدة. وأمريكا ستبحث عن سبل لاستيعاب الخسارة المعنوية التي خلفها الانسحاب العشوائي وغير المنظم من أفغانستان بسبب إما سوء تقدير أجهزة استخباراتها أو بسبب طغيان العوامل الداخلية الأمريكية على قرارات البيت الأبيض، أو كلاهما. ما زالت الولايات المتحدة الأمريكية دولة عظمى تملك أكبر قوة عسكرية واقتصادية وتكنولوجية عالمياً. لكنها لم تعد تحتكر ساحة القوى العظمى وبات لها منافس شرس يزداد تطوراً وقوة عسكرياً واقتصادياً وتكنولوجياً وهو الصين. وكلما احتدم الصراع بينهما ظهرت آثاره على ساحات النزاع في آسيا، وأكثرها في منطقتي الخليج العربي وبلاد الشام.

أخطر ما تواجهه واشنطن في هذه الظروف هو فقدان ثقة حلفائها بها. فمن الطبيعي أن يقوم قادة الدول المتحالفة مع أمريكا اليوم بمراجعة خياراتهم بناء على المستجدات الأخيرة. الانسحاب الأمريكي من أفغانستان لم يكن مفاجئاً اذ أن الحكومة الأمريكية أعلنت عن ذلك منذ عهد الرئيس دونالد ترامب. ما كان مفاجئاً هو حجم سوء التقدير الأمريكي والذي أدى الى انسحاب مشين شوه صورة أمريكا وأحرج حلفاءها. ومما لا شك فيه أن بعض هذه الدول ينظر الى الصين اليوم كبديل محتمل، أو أقله لأخذ خطوات تقلل حجم الشراكة مع أمريكا ليتفادى أن يكون ضحية صراع القطبين. فآسيا اليوم هي ساحة صراع العمالقة ودولها ستجد نفسها أمام خيارات قد تكون مصيرية.

شاهد أيضاً

أوكرانيا

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– فى العادة فإن الاستدلال عن سياسات إدارة جديدة يأتى من …