بقلم: محمد الساعد – عكاظ السعودية
الشرق اليوم– مخطئ جداً من يعتقد أن علاقات «اليوم» بين الرياض وواشنطن هي نتيجة خلافات جوهرية في ملف اليمن وما يسمى بالملف الحقوقي الخاص بمجرمين وإرهابيين ثبت تورطهم في أعمال إرهابية وجرائم فادحة، بل إن البرود والاختلاف في وجهات نظر سياسية مفتوح منذ العام 2010م، أي مع انطلاقة ما يسمى بالربيع العربي، والتي وضّح فيها السعوديون وجهة نظرهم المختلفة عن إدارة أوباما الممتدة لليوم، والتي تقول: إنه من غير المسموح لأي دولة غربية أو إقليمية التدخل في الشأن العربي أو تهديد مصالح وأمن أيٍّ من دوله، وإذا كان هناك من نصيحة أو تذكير فتكون عبر الطرق الدبلوماسية واعتبارات الصداقة فقط.
كان التحرك السعودي خلال اليومين الماضيين في روسيا ملفتاً جداً، فالزيارة التي قام بها نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان والمسؤول عن ملفات عديدة منها العلاقة الاستراتيجية مع وزارة الدفاع الأمريكية رفيعة ونتج عنها اتفاقات «ثقيلة» وصلت إلى توقيع اتفاق تعاون عسكري مع الروس، ولم تكن أبداً زيارة مباحثات عابرة.
ولنعد إلى مئة عام للوراء فقد كان الاتحاد السوفيتي الأب الشرعي لروسيا هو أول دولة تعترف بـ«المملكة العربية السعودية» وتؤسس سفارة لها فيها، بل وابتعثت سفيراً لها في أراضي المملكة الناشئة، كما كانت من أوائل الدول التي اعترفت بشرعية رعاية السعوديين للحرمين الشريفين، وأيّد علماء ومفتي المسلمين في الاتحاد السوفيتي علانية السعوديين، إثر الحملة المغرضة والكاذبة التي وصلت لحد اتهام السعوديين بهدم القبة الشريفة.
إذن هذه العلاقة لم تولدها الظروف السياسية الحالية، ولا هي تكتيك عابر بين الرياض وموسكو، فقد وصل الملك سلمان إلى موسكو قبل سنتين فقط، وأسّس ما نراه اليوم من توافق استراتيجي، ولا أدل من أن الرياض وموسكو هما عاصمتا التوازن في سوق النفط.
هل يعني أن الرياض تغادر المعسكر الغربي الذي بقيت متحالفة معه وشريكة له على مدى مئة عام؟! ربما هذا هو السؤال الأهم في هذه المرحلة من برودة العلاقات السعودية الأمريكية، وقبل الإجابة علينا أن نعود سوياً إلى الوراء عشرين سنة إلى العام 2011م، مع تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر، التي وضعت العلاقات على المحك، حينها حاول بعض صغار الإقليم تسميم علاقات الرياض مع واشنطن واتهام السعوديين بأحداث سبتمبر، لكن الأمريكان كانوا عقلاء ويعلمون قبل غيرهم أن الرياض كحكومة وأجهزة غير متورطة أبداً، ربما بعض المتطرفين مثلهم مثل غيرهم من متطرفي العالم هم المسؤولون.
الأمريكان حينها قرروا التحرك نحو العالم وعدم انتظار معركة أخرى على أراضيهم، مستهدفين الشرق الأوسط والأدنى بدءاً بأفغانستان وليس انتهاءً بالعراق، ولأن السعوديين لديهم موقف ثابت يقول إن الفضاء العربي مقدس ولا يمكن السماح لأي أحد تهديده أو اختراقه سواء قوة عظمى أو إقليمية، فقد افترقت المملكة عن واشنطن ورفضت الانخراط في دعم حروب الأمريكان في العراق أو أفغانستان، إنه موقف مستقل لم تعتده واشنطن من دول المنطقة، لكنها الرياض هي هي لم تتغير ولن تتغير مصالحها، وأمتها أهم من أي مكاسب وقتية.
في العام 2010 وبعد سنتين من تولي الرئيس الأمريكي باراك أوباما، حصل الافتراق الثاني، بعدما استهدفت إدارته بلاداً عربية تؤمن الرياض أن المساس بأمنها كارثة على الإقليم والعالم، فالاحتجاجات التي دعمتها واشنطن في مصر وتونس وليبيا لم تنقل إليها الربيع بل خريف مشابه لما حصل في العراق وأفغانستان، وحوّلتها لدول فاشلة وهجّرت وتسبّبت في قتل الملايين وتحطيم اقتصادات كانت ناهضة ونامية، لقد نجحت الرياض في إنقاذ ما يمكن إنقاذه في مصر والبحرين واليمن التي كاد أن ينفرط عقدها.
وللإجابة عن السؤال السابق يجب علينا أن نتذكر أن صفقة رياح الشرق منتصف الثمانينات بين الرياض وبكين جاءت وسط علاقات ممتازة مع إدارة الرئيس الأمريكي رونالد ريجان، وبالرغم من عدم وجود علاقات أساساً مع الصين، بل ومع خلاف عقائدي مضاد للشيوعية.
كانت صفقات الأسلحة الأمريكية المتطورة تملأ سماء وأراضي السعودية من الإف 15 إلى الأواكس والباتريوت، ومع ذلك ذهبت الرياض مع قرارها الاستراتيجي، فمصلحتها هي الأولى والأهم، إذن السعوديون لا يغادرون معسكر أحد ليستقروا في معسكر آخر، بل لديهم معسكرهم السعودي الخالص الذي أُنشئ في الدرعية قبل 300 عام، وسيبقى هذا المعسكر هو الأساس في أي تحرك عسكري وأمني وسياسي سعودي.