بقلم: د.وحيد عبدالمجيد – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – قوات أجنبية تقوم ببناء جيش وطني في بلد تحتله، أو تبسط سيطرتها عليه لغرض محدد. فكيف يكون حال هذا الجيش الذي لم يُبن على أُسس وطنية، ولم يؤسس في ظروف طبيعية؟ وهل يُنتظر منه أن يؤدي الدور المعروف الذي تقوم به الجيوش الوطنية؟ ربما لا يكون الجواب في حاجة إلى كثير من التفكير، لأن المطروح في السؤال يُدرج ضمن ما يسميه الإنجليز Unthinkable، أو غير قابل للتفكير به.
وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا كل هذا الاستغراب لحال قوات الجيش الأفغاني الذي أسسه ضباط أميركيون بُعيد الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على أفغانستان للقضاء على مواقع تنظيم «القاعدة»، وإسقاط حكم حركة «طالبان» التي آوت قادة هذا التنظيم ووفّرت لهم ملاذاً استغلوه في تدبير هجمات سبتمبر 2001 الإرهابية في نيويورك وواشنطن. والحال أنه لا يستقيم بناء جيوش وطنية بأيدٍ أجنبية.
أهم ما في تكوين أي جيش هو القيم التي يُبنى على أساسها.. قيم الدولة الوطنية التي ينتمي إليها ويدافع عنها انطلاقاً من انتماء عميق إلى شعبها وترابها، وإخلاص بلا حدود لها، وإيمان كامل بحريتها واستقلالها، ومن ثم استعداد دائم للتضحية من أجلها. وهذه قيم يصعب ترسيخها في عقيدة أي كيان عسكري ما لم يؤسسه مَن يؤمنون بها، لأنها تُعد بمثابة الروح لأي جيش وطني حقيقي.
وبدون هذه الروح لا يستطيع الجيش القتال، وقد يتهاوى وكأنه يتبخر على النحو الذي أدى إلى سقوط مقاطعات أفغانستان بين أيدي مقاتلي «طالبان» بسهولة بالغة، وكأنهم كانوا في نزهة إلى كابل. ولعله نوع من الظلم اتهام جيش أُنشئ على غير الأسس التي تُبنى عليها الجيوش الوطنية بالتخاذل وافتقاد إرادة القتال، بدون إدراك ما جعله كذلك. ويُخشى أن تُستغل الاتهامات التي يتعرض لها الجيش الأفغاني لتوجيه رسائل سلبية ضمنية بشأن دور الجيوش الوطنية التي تُعد رمانة الميزان في كثير من الدول في مناطق عدة، ومن بينها المنطقة العربية.
لكن السؤال الذي قد يُطرح في سياق الرد على هذه المجادلة هو: ما الذي كان ممكناً أن يفعله الأميركيون، وهل كان ثمة بديل آخر؟ ورغم أن ما حدث قد حدث، يظل ضرورياً ومفيداً استذكار أنه كان في إمكان الأميركيين إحالة ملف أفغانستان برمته إلى الأمم المتحدة، عقب إنجاز مهمتهم التي شنوا الحرب من أجلها.
كان قادة «القاعدة» قد فروا من أفغانستان، وكانت «طالبان» قد أُضعفت على نحو أخرجها من المعادلة لبضع سنوات، قبل أن تُلملم صفوفها وتُعيد بناء قواتها. ويعني هذا أنه كان ثمة وقت كاف لتشكيل قوات متعددة الجنسيات تعمل تحت علم الأمم المتحدة لحفظ الأمن، وتوفير الأسس الضرورية لبناء جيش وطني بمعنى الكلمة يؤسسه خبراء أفغان، على أن يكون دور الأميركيين مساعداً وليس مهيمناً.
غير أن استمرار وجود قوات الولايات المتحدة وحلفائها أعطى «طالبان» فرصة ذهبية لكي تلبس لباس حركة التحرر الوطني، الأمر الذي ساعدها في حشد قاعدتها الاجتماعية التقليدية مجدداً، في الوقت الذي كان الأميركيون في حالة زهو بانتصار لم يُدركوا أن أمده لن يطول. وانعكس اطمئنانهم الزائف إلى أن الأمر حُسم نهائياً في طريقة بناء الجيش الأفغاني، ولم يفهموا أنه ليس في إمكان أجنبي أن يتولى هذه المهمة تحديداً لاختلافها الجوهري عن أية مهام أخرى، وأن أقصى ما يمكنهم القيام به تقديم المشورة والتدريب على استخدام الأسلحة الحديثة. فهل يبقى مجال لاستغراب هشاشة الجيش الأفغاني وعدم انخراطه في قتال حقيقي ضد «طالبان»، وهو الذي افتقد منذ البداية الأولى أهم مقومات الجيوش الوطنية؟