الشرق اليوم- فيما يتعلق بأفغانستان يجب أن تكون الخطوة الأولى عقد مؤتمر دولي خاص حولها يضم جميع الأطراف ذات المصلحة، على أن تكون الصين وروسيا من اللاعبين الأساسيين، ويتعين على البلدان المانحة أن تتوحد تحت رعاية مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وبمشاركة منظومة الأمم المتحدة وبنوك التنمية المتعددة الأطراف.
كانت الأيام والليالي التي أعقبت استيلاء حركة طالبان على كابول وانهيار الحكومة الأفغانية هادئة على نحو لافت للنظر، فأغلب المتاجر والشركات مغلقة، والأفغان العاديون يختبئون في منازلهم، وتعمل حركة طالبان وكأنها قوة شرطة تحمي المدينة من النهابين، ومع ذلك، في هذه اللحظة من السكون النسبي، يواجه الأفغان حقيقة مُـدرَكة على جانب عظيم من الأهمية: فهم الآن يعيشون في بلد جديد تماما.
في الدفاع عن قراره بسحب كل القوات الأمريكية من أفغانستان، أقر الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن الأحداث توالت “بسرعة أكبر” من توقعات المسؤولين الأمريكيين، ووفقا لبايدن، يرجع هذا إلى “استسلام القادة السياسيين الأفغان وفرارهم من البلاد”، ومعهم الرئيس أشرف غني، و”انهيار المؤسسة العسكرية الأفغانية، بدون حتى أي محاولة للقتال في بعض الأحيان”، وقد دافع القائم بأعمال وزير الدفاع الأفغاني، الجنرال بسم الله خان محمدي، عن المؤسسة العسكرية في تغريدة على موقع “تويتر” قائلا: “لقد قيدوا أيدينا من الخلف وباعوا البلاد… اللعنة على غني وعصابته”.
أيا كانت الأحداث التي شهدتها أروقة السلطة في كابول الأسبوع الماضي، فإن حركة طالبان هي التي تحتل هذه الأروقة الآن، لكن ما حقيقة طالبان، التي أنفقت أقوى دولة في العالم أكثر من تريليوني دولار في محاولة إلحاق الهزيمة بها؟ وماذا قد تعني عودتها إلى السلطة بالنسبة إلى الأفغان وجيرانهم؟
الواقع أن حركة طالبان ليست قوة موحدة، بل تتألف من مجموعة متنافرة من الجماعات ذات المصالح المتضاربة، ولا يخلو الأمر من خلافات كبيرة بين الجناح السياسي “المتحضر” المتمثل في المكتب السياسي في الدوحة، ورجال الدين النافذين، والعديد من أمراء الحرب على الأرض. تعتمد آفاق الأفغان بشكل حاسم على العناصر التي ستفرض هيمنتها داخل حركة طالبان، ولهذا السبب، من الأهمية بمكان تحديد ودعم قادة طالبان الأكثر اعتدالا.
هنا قد نصادف أخبارا طيبة، حيث تشير أحدث المعلومات إلى أن المؤسس المشارك لحركة طالبان وزعيمها السياسي الملا عبدالغني برادار سيصبح قائد أفغانستان الجديد. يقدم برادار نفسه على أنه قائد عملي، ومتمرس، ورصين، وقادر على توحيد مجموعات طالبان المؤثرة حوله والتفاوض بنجاح مع القوى الدولية، ففي السابع عشر من أغسطس وصل برادار إلى أفغانستان.
علاوة على ذلك، تعهد قادة طالبان أيضا بإنشاء “حكومة إسلامية شاملة”، وعلى حد تعبير سهيل شاهين، المتحدث باسم طالبان، فإن مثل هذه الحكومة ستضم الأفغان من غير المنتمين إلى حركة طالبان، بما في ذلك بعض “الشخصيات المعروفة”. قد يكون أحد هذه الشخصيات الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، الذي شكل مجلس تنسيق لإدارة النقل السلمي للسلطة، ويضم هذا المجلس- الموجود الآن في الدوحة للقاء قيادات طالبان- عبدالله عبدالله، رئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية في أفغانستان، ورئيس الوزراء السابق قلب الدين حكمتيار.
من عجيب المفارقات أن هذا النوع من “الشمولية” سيستبعد العديد من شرائح طالبان الأكثر تطرفا، مما يزيد خطر سعي المتطرفين إلى إقامة شراكات مع جماعات إرهابية مثل تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية، لكن الخطر الأعظم قد ينشأ من الجهود الرامية إلى تحويل أفغانستان إلى دولة أحادية الـعِـرق (الباشتون)، استنادا إلى عقلية “الفائز يستأثر بكل شيء”، ويكاد يكون من المؤكد أن هذا سيفضي إلى إعادة إشعال شرارة الحرب الأهلية.
إلى جانب بناء حكومة شاملة، تحتاج طالبان إلى تعزيز جيشها وقوات الشرطة، وإقامة علاقات دبلوماسية مع بقية العالم، ومن المرجح أن تكون روسيا والصين بين الأسرع إلى مصادقة هذه الجماعة. يقول زامير كابولوف، المبعوث الرئاسي الروسي إلى أفغانستان، إن الكرملين يحافظ على علاقات جيدة مع طالبان، وعلى هذا فإن روسيا لا تشعر بأي قلق إزاء ما يحدث في البلاد، ففي مكالمة هاتفية حديثة، أخبر وزير الخارجية الصيني وانغ يي نظيره الروسي سيرغي لافروف أنه ينبغي لهما “أن يعملا على حماية المصالح المشروعة” لبلديهما في أفغانستان، و”إعداد التقارير عن الموقف هناك، ودعم بعضهما”.
قد تجد طالبان أيضا شركاء راغبين في جيران أفغانستان في آسيا الوسطى، فقد فر زعيما الطائفتين الأوزبكية والطاجيكية في أفغانستان- أميرا الحرب عبدالرشيد دوستم وعطا محمد نور- من البلاد بعد سقوط مزار شريف، التي كانا يدافعان عنها، والواقع أن العديد من المعلقين اعتبروا هذا رفضا لطالبان، لكني أعتقد أن هذا يعكس عدم الرغبة في مواصلة القتال، وأتوقع عودة كل من الرجلين إلى أفغانستان قريبا.
في عموم الأمر، يبدو أن بلدان آسيا الوسطى متفائلة بحذر بشأن إمكانية التعاون مع أفغانستان التي تقودها حركة طالبان، فقد تعهد برادار بعدم “السماح بظهور تهديد أو خطر من أفغانستان” ينتشر إلى بلدان آسيا الوسطى، ورحب بالخطة التي اقترحها الأوزبك لمد خط للسكك الحديدية تحت مسمى “ممر كابول”، من ترميز في أوزباكستان إلى بيشاور في باكستان عبر مزار شريف وكابول. في الواقع، مع رحيل الولايات المتحدة، بات من الممكن أن تتحول رؤية “آسيا الوسطى الكبرى”، حيث التجارة أكثر انفتاحا مع تحسن البنية الأساسية بين بلدان المنطقة، إلى حقيقة واقعة تدريجيا.
كما ستعمل سياسة الولايات المتحدة وحلفائها على تشكيل مستقبل أفغانستان. لقد تسببت هزيمة أمريكا المخزية وتقهقرها الفوضوي في تقويض مكانتها الدولية بشدة، والسؤال الآن يجب أن يكون: ما حجم المسؤولية التي ستتحملها الولايات المتحدة، إن تحملت أي قدر من المسؤولية، عن ضمان رفاهية الشعب الأفغاني، نظرا للدور القيادي الذي أدته في تدمير بلادهم؟
في الوقت الحالي، تقول إدارة بايدن إنها تنتظر من طالبان إظهار التزامها بالحكم الشامل ومنع الإرهاب، لكن يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها بذل المزيد من الجهد لمساعدة الأفغان العاديين، ونظرا لانعدام ثقة الناس بالشركاء الغربيين، فمن غير المرجح أن تنجح المبادرات المستقلة التي يقودها الغرب، وعلى هذا يجب إشراك جيران أفغانستان وروسيا في الأمر.
يجب أن تكون الخطوة الأولى عقد مؤتمر دولي خاص حول أفغانستان يضم جميع الأطراف ذات المصلحة، على أن تكون الصين وروسيا من اللاعبين الأساسيين، ويتعين على البلدان المانحة أن تتوحد تحت رعاية مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وبمشاركة منظومة الأمم المتحدة وبنوك التنمية المتعددة الأطراف، وينبغي لها أن تعمل على إنشاء صندوق خاص للمساعدة في إعادة إعمار أفغانستان.
على المستوى الدبلوماسي، سواء شئنا أم أبينا، تمتلك روسيا، بما تتمتع به من نفوذ عميق في آسيا الوسطى، المفتاح إلى إعادة بناء أفغانستان، وإذا احتضن الغرب هذه العملية، فربما تتحسن علاقته مع روسيا أيضا.