بقلم: سمير قسطنطين – النهار العربي
الشرق اليوم- كلُّ واحد منّا يواجِهُ في الحياة ظروفاً صعبة إلّا في لبنان، فنحنُ نواجِهُ ظروفاً مستحيلة. هذه الظّروف الصّعبة، أكُنتَ تعيش في لبنان أم في اليابان، قد تدفَعُكَ إلى اتّخاذِ قراراتٍ مصيريّة. من هذه القرارات تغييرُ مكان العمل، الإقدام على الزّواج، التّفكير بالطّلاق، الانتقال من بلدٍ إلى آخر للعمل هناك، كما قد تبلغُ حدود القرار الهجرة من البلاد.
أنتَ تُقدِم على قرارٍ من هذا النّوع ظنّاً منكَ بأنّكَ ستجِدُ ظروفاً أفضل للسعادة، أو مكاناً أرحبَ للعمل، أو شريكاً أكثرَ ملاءمةً لك في الزّواج، أو بلداً، وكما يقولُ كلّ اللبنانيّين، يحترمُ حقوق الإنسان ويحترِمُكَ أنتَ كفرد. أنا لا أقول إنّ هذا التّفكير تفكيرٌ خاطئ، إذْ لعلَّ التّوقّعات الّتي في ذهنِكَ هي توقّعات صحيحة. طبعاً هذا لا يعني أنّي أُشجِّعُكَ على تغيير أي شيءٍ في حياتكَ، أكان ذلك عملاً أم منزِلاً أم شريكاً أم وطناً. لكنّي أحاول أن أقول إنَّ تفكيرَكَ بإمكان تحسُّنِ الأحوال فيما لو أنتَ أقدمتَ على قرارِ التّغيير، هو تفكيرٌ لا يبعد عن المنطِقِ. إلّا أنّي في الوقت نفسه، أودّ أن أقول إنَّ اعتقادنا بأنَّ التّغيير فينا سيحصل بمجرّدِ أن نتّخِذَ قراراً ما، هو تفكيرٌ ساذج. فإذا كنتَ تعيشُ في بلدٍ يُثيرُ فيكَ كلّ أنواع المخاوفِ حتّى الذّعر، وفيه كلّ أسباب القلق حتّى اليأس، وقرّرتَ في لحظةٍ من الزّمن أن تُغادرَه مهاجراً إلى بلدٍ أوروبي أو إلى أحد بلدان أميركا الشّمالية، فلستُ أدري إن كانت مخاوفُ من نوعٍ آخر ستخترِقُك هناك، أو قلقٌ لم تَظنّ في يومٍ من الأيّام أنّكَ ستختبرهُ، سيُولَدُ فيكَ وأنتَ في الغربة. وإذا كُنتَ تعتقد أنَّ تغيير الشّريك هو حلٌّ لكَ، فلا بأس في أن تفكِّر في أنّك في يومٍ من الأيّام ظننتَ أنَّ ارتباطَكَ بالشّريك الحالي هو أيضاً حلٌّ لك. طبعاً أنا لا أتكلّم هنا عن حالاتٍ صعبة جدّاً من مثل العنفِ المنزليّ أو تعاطي المخدّرات.
لماذا أقول هذا الكلام؟ أقوله لكي تتأكّدَ قبلَ إقدامِكَ على أيِّ قرارٍ مصيريٍّ يتعلَّقُ بمستقبلِكَ كإنسان، وبمسار حياتِكَ المهني، وبمستقبلِ أولادِكَ التّربوي والشّخصي والعاطفي، أن تتأكّدَ من أنّكَ تفعلُ ذلك ليس هروباً من وضعٍ مُعيَّن، بل قناعةً منك بأنَّ المكان الّذي تنتقلُ إليه هو المكان الّذي يساعدك على تحقيق ذاتِكَ، وعيش قِيَمِكَ، وتوسيع آفاقِكَ نحو كلِّ ما هو أفضلُ لكَ نفسيّاً وصحيّاً ومهنيّاً وعاطفياً وروحيّاً.
ليس ذلكَ فحسب، بل إذا كنتَ من خلال قراركَ تهربُ من مخاوفَ معيّنة، فإنّي أنصحُكَ بأن تعملَ على هذه المخاوف قبلَ مغادرة القواعد الّتي أرسيْتَ عليها حياتَك لفترةٍ طويلة. أنتَ مدعوٌّ إلى أن تتعاطى مع المخاوف الآن وتحاول أن تجدَ لها مَسرَباً، وأن تتعاطى مع أسبابِ قلقِكَ، وأن تجعل قلقَكَ في مستوىً مقبول، وأن تقاربَ أسباب المرارة الّتي في قلبِكَ، وأن تتأكّدَ من أنّكَ تأخُذُها مشواراً نحو الشّفاء. أتمنّى أن تفعلَ كلَّ ذلك وأن تساعِدَ نفسَكَ على أن تطيب، فتُصبحَ مجبورَ الخاطِر، وواثقَ الخُطى، ومتمتّعاً بسلامٍ داخليٍّ عميق. من ثَمَّ خُذِ القرار الّذي تراهُ أنتَ مناسباً لكَ ولعائلتِكَ ولكلِّ من سيتأثّر بقراركَ.
دعني أقول لك في الخِتام إنَّكَ أنّى توجّهتَ في هذه الدُّنيا، وأينما حللتَ، وبغضِّ النّظَرِ عمّا فعلتَ، أنت تحمِلُ معكَ ذاتَكَ من مكانٍ إلى آخر ومن حالةٍ إلى أخرى. قد يتغيَّرُ الوضعُ جُزئياً لشهرٍ وشهرين وسنة وسنتين، لكنَّكَ إذا لم تَعمَل على تهدئةِ قلقِك قبل التّغيُّر والانتقال، فإنَّكَ سريعاً ما ستقعُ في أنواعٍ جديدةٍ من القلق وتواجِهُ أصنافاً جديدة من المخاوِف، لكنّك في هذه المرّة لن تَجِدَ بسهولة مكاناً آخر تهرُب إليه.
لأنّنا نحملُ ذواتنا أينما حلَلْنا، فإنَّ عمليّة شفائنا ضروريّةٌ لا بل حتميّة قبل انتقالنا إلى أي مكانٍ آخر. والشفاء لا يعني بالضرورة القدرة على تغيير الوضع الذي أنتَ فيه بقدر ما يعني القدرة على التعاطي مع الوجع، ومحاولة إيجاد حلولٍ له، ومقاربته بشجاعة وثقة، حتّى ولو كان الفراق أو الهجرة أو التغيير هي الوجهات التي ستلي.