بقلم: أ. د. فيصل الشريفي – الجريدة الكويتية
الشرق اليوم- بعض الناس يذهب إلى القول بأن طالبان اليوم غيرها بالأمس، وأنها قادرة على قيادة الدولة بصيغتها الإسلامية، وأنها قادرة على تجاوز الخلافات العرقية والمذهبية والسياسية ومشاركة الحكم مع بقية المكونات الأفغانية، ولكن قبل القبول بهذه الفكرة لابد من تسليط الضوء على بعض الحقائق التي قد تقودنا إلى قراءة المستقبل الأفغاني بطريقة موضوعية.
يتكون سكان أفغانستان من عدة مجموعات عرقية (البشتون ما بين 40 إلى 50% وهم يشكلون السواد الأعظم من تنظيم طالبان، الطاجيك نحو 37%، الهزارة نحو 9% التركمان نحو 2%، الأوزبك نحو 9%، مجموعات أخرى 2.5%)، حيث يشكل المواطنون المسلمون السنّة فيها 85% من مجموع السكان، والسواد الأعظم منهم ينتمون إلى المذهب الحنفي، وبعضهم الآخر يتبعون المذهب الحنبلي السلفي الذي دخل إليهم من خلال الأفغان العرب وهم قلة لكنهم مؤثرون في الحركة الجهادية الميدانية، وهناك أيضا بعض الصوفية أما المسلمون الشيعة فتبلغ نسبتهم من 10إلى 15%.
المجتمع الأفغاني قد لا يختلف كثيرا عن بقية مكونات المجتمعات الإسلامية من حيث التركيبة المذهبية والعرقية، وإن كان الموروث القبلي العشائري يطغى أحياناً كثيرة على سلوكيات عموم السكان بسبب قساوة الحياة المعيشية التي انعكست على تصرفات المجتمع الذكوري ونظرته للنساء.
الشعب الأفغاني عانى ما عاناه من قتل وتشريد على الهوية من جراء حروب ومنازعات أهلية وحروب طويلة مع الاتحاد السوفياتي والأميركيين وحلفائهم والتي استمرت أكثر من عقدين من الزمن، زادت معاناته الاقتصادية وتفشت البطالة والفقر وارتفاع نسبة الأميين إلى ما يقارب 60% من مجموع السكان؛ مما أدى إلى تشرد ولجوء الملايين منهم للهجرة إلى باكستان وإيران وأكثر، من ثلاثة ملايين اضطروا للعمل في زراعة وتجارة المخدرات.
من السذاجة التفكير بأن أميركا تركت الساحة الأفغانية لأنها لم تعد قادرة على مواجهة طالبان والقضاء عليها أو بسبب ارتفاع تكلفة الحرب التي تجاوزت تريليوني دولار وما لا يقل عن ترليون دولار دفعها الحلفاء، ناهيك عن الخسائر البشرية التي تكبدها الجيش الأميركي بأكثر من 2300 قتيل ونحو 20660 جريحا، لكن هذه الأرقام تتضاءل أمام الخسائر في الأرواح بين قوات الأمن الأفغانية والمدنيين كما صرح الرئيس الأفغاني أشرف غني في عام 2019 أن أكثر من 45 ألف عنصر من قوات الأمن الأفغانية قد قتلوا منذ أن أصبح رئيسا قبل 5 سنوات.
اليوم هل علينا أن نصدق دوافع هذا الانسحاب دون أن نضع عليه أكثر من علامة استفهام أمام سيناريو كهذا، وأن نمسح أحداث ١١ سبتمبر من ذاكرتنا وننسى دوافع الحرب على تنظيم طالبان التي استمرت أكثر من 20 عاماً وأن مهمتهم قد انتهت؟ وهل علينا أن نسلم بأن فكر طالبان الدموي قد تغير وأصبحت كالحمل الوديع وأن قادتها اليوم غير الأمس؟
هذا القرار المفاجئ قد خططت ومهدت له الإدارة الأميركية منذ سنوات، وهي من سعت إلى تسليم طالبان المدن الأفغانية دون أي مقاومة تذكر ودون أي التزام دولي تجاه بقية مكونات الشعب الأفغاني العرقية والمذهبية التي ذاقت الويلات من هذا التنظيم، وكيف سيتصرف وهو المسيطر على ترسانة ضخمة من العتاد والآليات العسكرية التي خلفها الجيش الأميركي والجيش النظامي الأفغاني.
لا شك أن انسحاب الغزاة أمر حتمي وكل ما نتمناه أن ينعم الشعب الأفغاني بالاستقرار والشعور بالحرية والأمان، لكن يظل التفاؤل مرهوناً بحسن تصرف التنظيم وقبوله بمشاركة الحكم وإدارة شؤون الدولة مع بقية مكونات المجتمع.
الحكم هذه المرة على طالبان يتطلب التريث وبعض الوقت، فالعشرون سنة الأخيرة قد تكون أسهمت في خلق قيادات سياسية تدرك أن السلاح لوحده لا يبني دولة، وأن على الحركة معالجة الوضع الاقتصادي المتهالك، فالبقاء في السلطة أكثر صعوبة من حمل السلاح، وما لم تنخرط الحركة في العمل السياسي وتفتح صدرها للأفغانيين بكل مكوناتهم والقبول بهم وتشكيل دستور يتوافق عليه الجميع وتقبل بتداول السلطة سلميا وتحترم إرادة الشعب فإنها ستفشل.
من باب الإنصاف فإن طالبان ذات الصبغة البشتونية قد دخلت صراعاً مع تنظيم القاعدة و«داعش» وأن الحكم على تصرفاتها حتى هذه اللحظة لا يمكن الفصل فيه، وإذا ما كانت الحركة تسعى إلى الاستقرار والحكم أم أنها الشوكة التي زرعها الغرب في خاصرة الصين وإيران سواء من خلال زجها بحرب وكالة مع إيران أو جعلها ساحة حرب وصراعات داخلية لقطع الطريق على مشروع الصين الحزام والطريق.