بقلم: سميح صعب – النهار العربي
الشرق اليوم – الفوضى التي طغت على عمليات الإجلاء من مطار كابول، ستبقى تطارد رئاسة جو بايدن وتهيمن على الجدل السياسي في الولايات المتحدة، علماً أن غالبية الأميركيين كانت تؤيد وضع حدٍ لأطول حرب أميركية في الخارج.
والسياسيون الذين يتصدون الآن لبايدن لم يكونوا ضد الانسحاب الكامل من أفغانستان. خذ مثلاً الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي أبرم اتفاق الانسحاب في 29 شباط (فبراير) 2020 مع “طالبان” وليس مع الحكومة التي كانت قائمة في كابول، يصف الانسحاب بأنه “أكبر إهانة” تعرضت لها الولايات المتحدة في التاريخ. وتجدر الإشارة إلى أن ذاك الاتفاق نفسه، وضع بداية الانهيار للحكومة الأفغانية، لأنه عندما أيقن زعماء القبائل الأفغانية أن الجيش الأميركي راحل في وقت قريب، عمدوا إلى إبرام الاتفاقات سراً مع الحركة.
ولم يعمد بايدن إلى إلغاء اتفاق ترامب، لأنه هو نفسه كان ميالاً إلى الانسحاب وإنهاء “الحروب الأبدية” للولايات المتحدة. وهذا ما سهل وقوعه في “فخ” التقويمات المغلوطة لأجهزة الاستخبارات وللجنرالات، التي كانت تتوقع صمود حكومة كابول على الأقل ثلاثة أشهر بعد الانسحاب الأميركي. وربما رأى بايدن أن تلك مدة كافية لنجاح مفاوضات اقتسام السلطة بين “طالبان” وحكومة أشرف غاني في الدوحة.
وأياً كانت الأسباب التي قادت إلى الانهيار السريع لحكومة أفغانستان، فإن بايدن الذي كان يرمي إلى تحقيق نجاح سياسي من خلال الإعلان عن إقفال الملف الأفغاني بعد عشرين عاماً من الغزو، وجد نفسه في مواجهة فوضى الإجلاء والتقديرات الخاطئة لأجهزة الاستخبارات والجيش على حد سواء. وقد ينفي هؤلاء التهمة عنهم من خلال القول إنهم حذروا في الوقت نفسه من مخاطر الانسحاب وكانوا ميالين إلى تمديد الوجود العسكري في أفغانستان، المسألة التي عارضها بايدن بقوة وتغلب رأيه على آراء الجنرالات في نهاية المطاف.
والمشهد الأفغاني الحالي، بدأ يطرح أسئلة أعمق تتعلق بأساس الذهاب إلى أفغانستان عقب هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، وعما إذا كان يجب البقاء هناك كل هذه المدة، علماً أن الرئيس السابق جورج دبليو بوش صاحب قرار الغزو، قال آنذاك إنه يأمل في إنجاز مهمة إطاحة “طالبان” وإخراج تنظيم “القاعدة” من أفغانستان في مدة قصيرة ومن ثم الانسحاب. لكن بوش أهمل المهمة التي ذهب من أجلها إلى هناك وقرر غزو العراق بإدعاءات لا أساس لها من الصحة فغرق هناك، وتمكنت “طالبان” من إعادة بناء قواتها في هذه الأثناء وانتقلت إلى الهجوم.
ومن الأسئلة الجوهرية التي تثار اليوم في ظل الفوضى الضاربة في مطار كابول والتدافع للهروب من البلاد، هل كان يجب البقاء عقدين من الزمن في أفغانستان ومقتل 2248 جندياً وإنفاق تريليون دولار ومقتل أكثر من 120 ألف أفغاني جلّهم من المدنيين، هذا عدا خسائر دول حلف شمال الأطلسي الأخرى في الأرواح والأموال، ليتبين بعد ذلك أن هذه كانت مهمة فاشلة من الأصل، وأن الغرب لم يفهم الخصوصية التي يتمتع بها المجتمع الأفغاني.
بعد الدرس الأفغاني، سيغرق الأميركيون في التفتيش عن الأسباب التي آلت إلى فشلهم في أفغانستان، إذا أردنا تجنب الحديث عن انتصار “طالبان”، تماماً كما فعلوا بعد فشلهم في فيتنام، كما أن الحملات الانتخابية للحزبين الجمهوري والديموقراطي ستتمحور على الإخفاق الأفغاني. لكن قلة من المسؤولين والمعلقين لديها الجرأة على القول، إن الغزو بحد ذاته كان فشلاً.
لا يتورع رئيس الوزراء البريطاني سابقاً توني بلير، شريك جورج دبليو بوش، في هندسة الغزوين الأفغاني والعراقي، عن القول إن قرار بايدن الانسحاب من أفغانستان، كان قراراً “أحمق”! بعد كل هذا الفشل، لا بد من التساؤل: هل كان قرار الغزو ذكياً؟