الشرق اليوم- بعد فترة قصيرة على سقوط العاصمة الأفغانية كابول بيد حركة “طالبان”، ألقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خطاباً يُحدد فيه موقف حكومته من هذه الأزمة، فقال: “تجازف زعزعة استقرار أفغانستان بإطلاق موجات عشوائية من الهجرة نحو أوروبا، لا تستطيع أوروبا وحدها أن تتعامل مع عواقب الوضع الراهن، ويجب أن نستبق المشكلة إذاً ونحمي أنفسنا من تدفق المهاجرين لأن هذه الموجة تُهدد الدول المضيفة وتزيد فرص التهريب بجميع أشكاله”.
أثارت هذه التعليقات استياء الكثيرين لأنها اعتُبِرت خالية من التعاطف مع الأفغان غداة استيلاء “طالبان” السريع على البلد بطريقة غير متوقعة، فبعد الانسحاب الأمريكي، يقال إن عشرات آلاف الأفغان الضعفاء يحاولون مغادرة البلد، منهم أشخاص كانوا قد ساعدوا الجيوش الغربية (مترجمون ومساعدون)، فضلاً عن نساء وناشطين وجنود سابقين وكل من يرفض العيش تحت حُكم الشريعة الإسلامية التي تعطيها “طالبان” تفسيراً متطرفاً. سيحاول آخرون على الأرجح الرحيل من البلد أيضاً خلال الأشهر والسنوات المقبلة.
تقول زوي غاردنر، مستشارة سياسية في “المجلس المشترك لرعاية المهاجرين” (جمعية خيرية تدعم المهاجرين)، إن الكثيرين في أوساط صانعي السياسة الأوروبية مقتنعون بضرورة احتواء تدفق المهاجرين من الدول الغارقة في الأزمات، مثل أفغانستان، وحصرهم في الدول المجاورة وفي أبعد مكان ممكن. تتطلب هذه العملية تدابير رادعة تزيد مخاطر دخول أوروبا على المهاجرين. تظن غاردنر أن الاتحاد الأوروبي يحبذ أيضاً عقد “صفقات قذرة” مع الدول المحيطة به، مثل ليبيا وتركيا، لضمان أن تمنع حكوماتها الناس من محاولة السفر إلى أوروبا.
على صعيد آخر، سيحرص الحُكم المتطرف بقيادة السلطات التابعة لحركة “طالبان” على منع عودة طالبي اللجوء الأفغان، على المدى القريب على الأقل، لهذا السبب، سيضطر القادة الأوروبيون الراغبون في كبح تدفق المهاجرين الأفغان لإيجاد وسائل أخرى لمنعهم من الوصول إلى أوروبا.
لكن تكشف تعليقات ماكرون ومسؤولين أوروبيين آخرين أن موجات الهجرة لا يمكن وقفها حتى لو زادت صعوبتها وخطورتها. تتصل قارة أوروبا بالشرق الأوسط وآسيا الوسطى براً، ويفصلها البحر الأبيض المتوسط عن إفريقيا، مما يعني أنها لا تستطيع عزل نفسها عن العالم، ومن المتوقع أن تنطلق موجة كبيرة من المهاجرين نحو أوروبا، وقد تبدأ من سورية أو أفغانستان أو أي بلد آخر يشهد أزمة كبرى في المرحلة المقبلة. تقول تارا فارما، رئيسة مكتب المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في باريس: “لا مفر من أن تؤثر أحداث أفغانستان على أوروبا”.
سيتابع الناس الهرب من الصراعات في المناطق غير المستقرة على عتبة الاتحاد الأوروبي، كما حصل خلال حروب البلقان في التسعينيات، أو من أماكن أبعد مثل العراق وأرتيريا، وفي بعض الحالات، قد تتدخل الجيوش الغربية في تلك الصراعات، لكن يعني تراجع الرغبة في خوض مغامرات خارجية مكلفة أن الصراعات قد تتطور من دون تدخّل مباشر واسع من الدول الغربية، فهذا الوضع لن يمنع النازحين من محاولة الوصول إلى مكان آمن نسبياً في الغرب.
على صعيد آخر، تبرز مشكلة التغير المناخي، ومن المتوقع أن يتهجر ملايين الناس بسبب أنماط تغيّر الطقس خلال العقود المقبلة وفق نتائج أبحاث متزايدة تشير إلى تراجع قابلية السكن في مناطق معينة من العالم، فقد سبق أن سبّب التغير المناخي مشاكل الجفاف التي زادت الاضطرابات السياسية في سورية ومهّدت لاندلاع الحرب الأهلية هناك في عام 2011، ثم بدأت أزمة الهجرة في عام 2015، ويخشى الباحثون أن تؤدي ظاهرة التصحر المرتبطة بالتغير المناخي في الساحل الإفريقي، تزامناً مع تنامي العدد السكاني هناك بوتيرة متسارعة، إلى نشوء موجات جماعية من الهجرة مستقبلاً، فتتنافس الدول والشعوب على الغذاء والماء وموارد أخرى، حيث ستتكرر هذه الأنماط على الأرجح في جميع أنحاء العالم.
يمكن اعتبار أزمة أفغانستان إذاً مجرّد لمحة بسيطة عن المشاكل المرتقبة في المرحلة المقبلة، وفي ظل تعمّق الرابط بين موجات الهجرة والتغير المناخي، يجب أن تفكر دول الاتحاد الأوروبي ملياً بأنسب مقاربة للتعامل مع اللاجئين الذين لن يكفوا عن محاولة الوصول إلى أوروبا، ففي النهاية، تقول فارما: “لن يكون تحصين أوروبا نهجاً مستداماً بأي شكل، فلا يمكن أن تعزل أوروبا نفسها عن العالم الخارجي بأي طريقة ويُفترض ألا تحاول فعل ذلك أصلاً”.
بالاتفاق مع صحيفة الجريدة