بقلم: أ. د. غانم النجار – الجريدة الكويتية
الشرق اليوم– تداعيات أحداث أفغانستان الأخيرة تطرح أسئلة عن أمريكا أكثر مما تطرحه عن أفغانستان، فقريباً ستختفي أفغانستان من الرادار الدولي والإعلامي، أما أمريكا فسيظل سلوكها مهماً للعالم، سلباً كان أم إيجاباً.
خلال أقل من سنتين، خاضت أمريكا حربين كبيرتين كان ضررهما أكبر من نفعهما، حتى للولايات المتحدة نفسها.
بعد تفجيرات 11 سبتمبر 2001، تعاطف العالم مع أميركا بشكل غير مسبوق، حتى من خصومها، فصنعت مصطلحين جديدين هما “محور الشر”، و”الحرب الكونية على الإرهاب”، وبعدها بأقل من سنتين، وفي إطار سيطرة المحافظين الجدد، تم غزو العراق. وعلى العكس من أفغانستان، لم تحظ المغامرة الأميركية في العراق بدعم دولي أممي إلا من بريطانيا، التي أسهم رئيس وزرائها السابق توني بلير بدور المبرر بتصريحاته عن أسلحة الدمار الشامل.
حربان كبريان متتاليتان يفصلهما أقل من سنتين، الأولى بتعاطف دولي، والثانية بدونه.
في الذكرى العاشرة لغزو العراق، 2013 عقدت الندوات والمؤتمرات والدراسات لتقييم ما حدث، فخسائر أمريكا المباشرة فاقت أفغانستان، وكانت الخلاصة أن ذلك كان “أسوأ قرار في تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية”.
كانت الأمور حينها تبدو مستقرة في أفغانستان، كان الظن بنجاح منهج “الهندسة السياسية”، وهو منهج ضعيف وملتبس ومتهافت.
بعد عشرين سنة، وتريليون دولار، وأربعة رؤساء أميركان، تمكنت أمريكا من استبدال طالبان بطالبان، هكذا.
في 2009 صدر كتاب “مقبرة الإمبراطوريات” لسيث جونز، يشرح فيه حالة أفغانستان، وها هو الرئيس بايدن يستخدم ذات المصطلح بمعنى: “كيف لنا أن نبقى في مقبرة؟”، وهو استخدام سياسي تبريري، يبدو كأنه خطاب حملة انتخابية.
تاريخ أفغانستان مليء بالمتاعب، منذ الإسكندر الأكبر، وحتى اللحظة، ومن غير المفيد التعامل ببهارات نظرية المؤامرة، فهي ما إن تهدأ، حتى تشتعل، والتركة على من سيتولى الحكم هناك كبيرة وشديدة الوطأة.
ما يعنينا هو المراجعة لسلوك أميركا، فهي الدولة الأقوى في العالم، واتزان سلوكها مهم للعالم، كونها إن عطست يصاب العالم بالزكام، فما بالنا ونحن نمر بوباء قاتل اسمه “كورونا”، كشف عن نواحي ضعف، كما كشف عن نواحي ضعف أميركية.
لدى أمريكا خير كثير، كما أن فيها شراً كثيراً، والعالم بحاجة إلى جوانبها الجيدة، وإمكانياتها الكبرى، وقدراتها الفائقة، لاستقرار العالم، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.