بقلم: آوات اسعدي – جريدة إيلاف
الشرق اليوم- السكوت والنسيان والتجاهل تخیم علی العراق فيما يخص أهم الذكريات المئوية ربما أيضاً المفصلية في تاريخ عراق الدولة في عام 2021.
يوم 23 آب 2021 هو الذكرى المئوية الأولى لتتويج ملك لأول دولة تحمل اسم “العراق”. فالبلاد لا تشهد أیة فعالیات تخليد تلك الذكرى ولم و لن تعلن السلطات عن ایة إحتفالية حتی ولو بسيطة في آي شبر من أراضيها، لا في الأيام الماضية ولا في الأيام المقبلة أو على مدار هذه السنة. وهذا بعكس مما رأيناه لدى عدداً من الدول شبيهة العهد كالأردن او السعودية بقرار إجراء الاحتفالات الجماهيرية في البلاد.
ياترى ماهي أسباب هذا النسيان و التجاهل؟
هل يعيش “الشعب” العراقي وكأنه خارج التاريخ؟
هل أن سكان العراق مصابون بالزهایمر من تدهور الذاكرة وصعوبة تذكر المعلومات العامة عن بلادهم؟
هل للعراقيين علاقة مضطربة وغير متوازنة مع تاريخهم المعاصر؟
هل لدولة العراق هوية اجتماعية وسياسية وجغرافية أخرى غير تلك التي حاول تشكيلها فيصل الأول؟
هل حقیقة النسيان و التجاهل تکمن في أن الملك المرحوم لم يكن “عراقياً” وبالتالي لم يكن من حقه أن يتولى ذلك الموقع الذي تبوأه في بلد هو ليس بلد أجداده ولم يقدم من اجله “التضحيات”؟
فإذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يكن مئوية اول حكومة “وطنية” برئاسة عبدالرحمن النقيب في العام المنصرم أكثر حظاً؟
هل هناك أياد خفية داخلية تمنع العراقيين من تذكير الماضي وتحركهم بإتجاه النسيان؟
أم أن الملكية وفيصل الهاشمي أذاقت شعبها الفقر والذل وآلام التعذيب والمعتقلات كما يرسمه لنا اليساريين والقوميين؟
وبالمناسبة فإن العاهل الهاشمي سجل في الأردن إنجازات فخر وإعتزاز وإستقرار وتطور ما لم تسجله ایة من دول الشرق الأوسطية طيلة المئة العام الماضية إذا ما تغاضينا النظر عن الدول والإمارات الخليجية الثرية بالنفط.
وبالمقابل هل يستطيع المرء نسيان ما يعاني منه البلاد منذ انقلاب 14 تموز 1958: هزائم اكثر تدميراً من كل “هزائم الملكية” في إظهار مدى فشل الدولة في شتى النواحي. أليس ما يسمى بـ “الضباط الاحرار” ومن ثم القوميين الهمجيين من البعث هم من قاموا بتضييع اكثر من 37 سنة من العمل في ظل نظام شبه ليبرالي ودولة فيها القانون الاساسي؟
وهل جاء حقاً ذلك الانقلاب الدموي بالفترة المضيئة للحضارة “العراقية” المعاصرة؟
او ربما نسیان وتجاهل مئوية فيصل هو نكران الجميل للمؤسس الحقيقي لهذه الدولة، أي بريطانيا العظمى؟
فما لا شك فيه، ان مساهمة ودور البريطانيين اكبر مما يتصوره المرء. فالعراق جغرافياً، وعبر معظم التسميات الموثقة تاريخياً وجغرافياً، هي المنطقة الممتدة من تكريت او من قرية عَلـْث من الجانب الشرقىّ من دجلة في جنوب سامراء إلى عبادان الاإيرانية. فأما البريطانييون هم الذين رسموا ووضعوا وفرضوا حدوده الجغرافية الحالية مضيفين عليها من الشمال مساحة واسعة من ارض ميزوبوتاميا التاريخية (بلاد ما بين النهرين اي الجزيرة) وكردستان الجنوب بأكمله قسراً و ضد إرادة اهله. الامر الذي جعل العراق قطراً في حالة هيجان شبه دائمة. ومن ثم أضافوا زيادة كبيرة في مساحتها في الجنوب الغربي على حساب الجزيرة العربية. يُقال ان بيرسي كوكس، المندوب السامي البريطاني في العراق “رسم حدوداً بقلم أحمر اللون من الخليج الفارسي الى جبل “آنيزان” القريب من الحدود الأردنية”.
فلولا البريطانيين ربما بقي آراضي عراق الدولة ترزح الى يومنا هذا تحت وطأة كارثة حكم الاتراك، سواءً كان ذلك الحكم تحت سيطرة العنصريين الكماليين ام العثمانيين الاخوانجية.
سؤال بعد السؤال يطرح نفسه عن الماضي والحاضر والمستقبل لبلاد قلما عرفت الاستقرار.
إن طرح هذه النقاط والآراء هي ليست فكرة مكتملة بقدر ما هي دعوة للنقاش والتبصر والتذكر لما يحتاج اليه المرء من المناقشة الهادئة و السليمة.