بقلم: نضال عبد الوهاب – الراكوبة السودانية
الشرق اليوم– هنالك اتفاق شبه تام من أغلبية إن لم يكن الجميع للقوى السياسية والنُخب وحتى عامة السُودانين في تشوهات الدولة المركزية في السُودان مابعد الاستقلال إلي عهد الكيزان ما قبل الثورة..
هذه الدولة المركزية غلب عليها مظهرين أساسين هما الاستبدّاد ( الحُكم العسكري ) و ( اختلال التنمية ) ونتج عنهما الإقصاء والتهميش وغابت العدالة والحُريات..
في جانب السُلطة، مُورس الإقصاء علي الجميع لأن المعايير كانت إما للولاء التنظيمي كما في حالة حُكم الإسلاميين الطويلة ، أو الولاء الطائفي في حالة فترات الديمُقراطية المُتقطعة أو حتى الجهوي والذي أيضاً مارسُه وبشراهة نظام الكيزان، فُعِلّت النعرات العُنصرية والجهوية بشكل غير مسبوق فأصبحنا نسمع بدولة ( الشوايقة و الجعليين والدناقلة وما إلى ذلك ) .. وبالفعل إستخدم الكيزان أُسلوب الولاء القبلِّي والجِهوي حتى داخل تنظيمهم و في صراعهم الداخلي فيما بينهم علي السُلطة ومراكز القرار فيها ..
إذاً كُل نتاج السياسات التي مُورست داخل جهاز الدولة المركزي في السُودان بالتالي نتفق أنها كانت مُختلة ومُشوهة ..
في ظل هذه الاختلالات ومُنذ الاستقلال وكنتيجة مباشرة لها قامت الحرب والصِراعات المُسلحة والتي فجرها أكثر و زاد من اشتعالها النهج الذي إختطه الكيزان وما يُسمي بالحركة الإسلامية وجماعات الإسلام السياسي التي إستولت علي السُلطة في السُودان وبدأت سطوتها ما قبل ذلك عن طريق سيطرتها علي عقلية جعفر نميري وتشجيعه ودعمه في إعلان ما يُسمي بالشريعة الإسلامية ، التي كانت هي القوانين التي سمّمت وشوهّت جسد البلاد وأعطت الشرعية للحرب ضد الدولة ، التي كانت تلك القوانين في وقتها إستهداف مُباشر للذين لايُدينون بالإسلام نفسه كديانة خاصة في جنوبه ، و لا يرتبطون بدولة السُودان بمعايير الدولة العربية الإسلامية التي فُرضت فرضاً بِسن تلك القوانين والتشريعات وإعلان السُودان جمهورية إسلامية ، فأُنتزع حق أصيل في التساوي بين أفراد الشعب وهو حق المُواطنة ..
إستمر هذا النهج دون تغيير حتي بعد سُقوط النميري ، ولم يمتلك من أعقبه في الديمُقراطية الثالثة الشجاعة في إلغائه وتغييره لإستفادة ذات العقليّات وتحالف الإسلاميين مع الطائفين من وراثة تلك الدولة الإسلامية التوجه والقوانين الشائهة المُسمية تشريعات إسلامية ، ورُغم محاولات إقامة إتفاق الميرغني قرنق الذي مّهد لإلغائها إلا أنه أُجهض من ذات التحالف الإسلامي الطائفي مابين الترابي والصادق المهدي حتي إستولي الكيزان أنفسهم علي السُلطة فدانت لهم كُل مقاليد الدولة والتمكين فيها ففصلوها علي أمزجتهم ومشروعهم كما هو معلوم ، فأنفصل الجنوب وإنتشرت الحرب وزادات رُقعتها مع رقعة التهميش الإقتصادي وأُعليِّ الخطاب الإثني والجهوي والعُنصري والإقصائي .. فكان لا بُدّ من إقتلاع هذا النظام .. فجاءت ثورة ديسمبر العظيمة لإقتلاعه ، ليقين غالبية هذا الشعب العظيم في التغيير وفي فشل كُل منظومة الدولة ماقبل الثورة ، و في إنتاجها لهذا السُودان المُتفكك الفقير المُنهار المُنهك رُغم إمتلاكه لمقومات الدول العُظمي ..
الآن الحُلول سياسية إبتداءً ..
1/ إلغاء التشريعات الإسلامية وبشجاعة وإعلان فصل الدين عن السُلطة السياسية .. هذا الأمر لا يحتاج لإجتهادات لوضوح أن المُواطنة المتساوية داخل السُودان ونظام الحُكم الديمُقراطي لايتم إلا عبر هذه البوابة ..
2/ معالجة الأسباب التي أدت لنشوء الحرب في إقرار الفدرالية كنظام للحُكم لضمان وحدة البلاد علي أُسس اقتصادية تعطي جميع الأقاليم حق التنمية المتساوية من عائد مواردها
3/ حسم جدل الهوية بالإعتراف بالهويات المتعددة للسُودان علي أن لا تطغى أي هوية فيه علي أُخرى ..
4/ إقرار نظام الحُكم الديمُقراطي البرلماني مركزياً .. وهيكلة الجيش وإصلاحه وحل جميع المليشيات والحركات والجيوش الموازية الأُخرى ونزع السلاح وتجميعه نحو جيش قومي جديد واحد لكل السودان ..
5 / البدء في عمل كُل الإصلاحات الداخلية للدولة وجميع مؤوسساتها وكُل القوانين وفق مفهوم الدولة السُودانية الفدرالية الحديثة وتصفية نظام الدولة القديم بالكامل ..
أخيراً لا بُدّ من محاربة الخطاب الإثني العُنصري في جميع الإتجاهات ، هذا السُودان وطن للجميع وقضاياه تهم الجميع ويناقشها الجميع بكُل حُرية .. هذه الدولة السُودانية لن تبنيها قبيلة ولا إثنية و لا جهوية ولا ديانة محددة وإنما يبنيها الجميع بحق مواطنتهم داخلها وإنتمائهم جميعاً لها كوطن ..
نقف وبشدة ضد كُل مُحاولة لتعميق الصِراع وتحويله لصِراع إثني أو جهوي وقبلي .. وهذا تماماً ما بذره الاستعمار أولاً ومارسه بسياسة فرق تسُد ، وعمقه الكيزان خطاباً ومُمارسة طوال ثلاثين عاماً .. فلنتحد جميعاً ضد العُنصرية والإثنية والجهوية والعقليّات التي تُروج لذلك .. الاختلاف إن وُجد تحسمه أدبيات وآليات الاختلاف السياسِي والفكري فقط والسِّلوك الديمُقراطي .. هزيمة ما يُسمى بالعقل المركزي تبدأ بهزيمة النظرة الإثنية للصراعات وبقبول الآخر والرأي المختلف وبقبولنا جميعاً بالتغيير ..