افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – لم يأت اتهام الرئيس التونسي قيس سعيّد «أطرافاً سياسية» بالتخطيط لاغتياله من فراغ. فلم يكن بوسعه، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة والرجل الأول في الدولة، أن يُطلق هذا الاتهام لو لم تكن لديه أدلة كافية تدين من يحاولون استهدافه، خصوصاً بعد أن تم ضبط «ذئب منفرد» كان يخطط لتنفيذ العمل الإرهابي خلال زيارة الرئيس لإحدى المدن الساحلية.
ليست المرة الأولى التي يعلن فيها سعيّد أنه مستهدف، ولكنها المرة الأولى بهذا الوضوح والمباشرة، وجاءت بعد أن كرّر مراراً أن الخطوة التصحيحية التي اتخذها لا رجعة فيها، ولا عودة لمنظومة ما قبل 25 يوليو، وهذا الموقف وقع وقوع الصاعقة على الأحزاب الفاشلة وفي مقدمتها حركة النهضة «الإخوانية» ومن دار في فلكها من متطرفين وفاسدين. فهذه الفئة المنحرفة لها تاريخ مع المخططات الدموية، فقد سعت عام 1987 إلى اغتيال الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة.
وعام 1991 تم إحباط محاولة لاغتيال خلفه زين العابدين بن علي بإسقاط طائرته الرئاسية لدى مغادرته البلاد في زيارة خارجية. وبعد 2011 كانت هذه الفئة التي ابتُليت بها تونس، مستعدة لفعل أي شيء من أجل أن تحافظ على مكاسب حققتها بالتزوير والنفاق، أو حتى بالاعتداء والدم مثلما حدث عام 2013 عندما كانت «النهضة» في الحكم، وتم اغتيال سياسيين معارضين لها، هما شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وما زالت قضيتاهما أمام القضاء في انتظار كشف المجرمين وإنزال القصاص العادل بهم.
بالنظر إلى ما سبق 25 يوليو، فإن تصريحات قيس سعيّد، بما فيها حديثه عن مخطط اغتياله، تُمهِّد لإجراءات أشد ضد منظومة التطرف والفساد، وقد تحمل الأيام القليلة المقبلة بعض المفاجآت في هذا الشأن. ويكفي دلالة على ذلك ما قاله مؤخراً: «لدينا مرة أخرى صواريخ على منصات إطلاقها، وتكفي إشارة واحدة لتضربهم في أعماق الأعماق». واستخدام سعيّد لكلمة «صواريخ» تعبير مجازي يشير إلى أن تحت يديه ملفات حساسة ستقلب الدنيا على من خدعوا الشعب التونسي لعشر سنوات، باسم الديمقراطية المزيفة والحريات المنافقة والكرامة التي لم تتحقق. ويعني هذا التعبير أيضاً أن الرئيس التونسي مصمم على المضي في خطواته المنتظرة، ومنها تعيين رئيس جديد للوزراء، والعمل على تغيير النظام الدستوري وسن قوانين جديدة للأحزاب والانتخابات، حتى تخرج البلاد من هذا المستنقع إلى فضاء أرحب سياسياً واجتماعياً يأتي بالإنجازات، ويسمح بتدارك ما ضاع في سنوات التيه خلف أوهام الأيديولوجيات المفلسة والمشاريع «الإخوانية» التي ظلت تعتبر تونس جزءاً من مخطط عابر للمنطقة، وليست وطناً له خصوصيته وطموحه وسيادته.
تونس ستستمر دولة قانون وشعباً منفتحاً وسطياً، يرفض العنف والإرهاب ويلفظ كل القوى الظلامية. والزوبعة التي يحاول «الإخوان» وحلفاؤهم إثارتها حول الرئيس سعيّد لن يكون لها أثر بعد فترة. أما التهور والجنون والتفكير في استهداف رموز البلاد، فذلك أمر لن يسمح به التونسيون أبداً؛ لأنهم لا يخشون الإرهاب ولا يبخلون بتقديم التضحيات.