بقلم: عبدالله بن بجاد العتيبي – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – «الأرض الموعودة» كتاب جديد للرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما تحدث فيه عن العديد من القضايا والملفات الداخلية والدولية المهمة، ومن ذلك أحاديثه ورؤيته لأدوار الولايات المتحدة الأميركية حول العالم، وعلى رأسها بالتأكيد كانت العراق وأفغانستان.
قراءة المعلومات والمواقف والسياسات التي تبناها أوباما بقلمه وشرحه مفيدة لأي مهتمٍ برصد الأحداث الدولية وتقاطعاتها مع مصالح كل دول العالم وشعوبه بشكل لا فكاك منه في حالتي التحالف والعداء لأهمية أميركا كأقوى إمبراطورية عرفها التاريخ البشري.
هناك ما لم يقله أوباما بالتأكيد ويمكن لأي مراقبٍ أن يعرف حجم المسكوت عنه، إما لضرورات الأمن القومي الأميركي، وإما لغايات شخصية لدى أوباما الذي خلق تياراً سياسياً مسيطراً داخل الحزب «الديمقراطي»، ولم تزل كثير من سياساته ونظرياته قيد التطبيق خصوصاً في ظل الإدارة الحالية للرئيس جو بايدن وللعديد من رجالاته وفريق عمله الذين خرج كثيرٌ منهم من إدارة أوباما، والرئيس بايدن نفسه كان نائباً لأوباما لفترتين رئاسيتين امتدتا لثمان سنواتٍ.
تحدث أوباما عن «الوضع في أفغانستان» كثيراً ولكنه نقل نقاشاً مهماً دار في نوفمبر 2009 قال عنه: «بدا في تلك الجلسة أن الاختلافات الكبيرة بين أفراد فريقي قد تضاءلت إلى حدٍ كبيرٍ. فالقادة العسكريون اعترفوا بأن استئصال طالبان من أفغانستان أمرٌ غير واقعي» وأضاف وهذا هو المهم «كما أقرّ جو ومجلس الأمن القومي بأن عمليات مكافحة الإرهاب في مواجهة تنظيم القاعدة، لا يمكنها أن تنجح إذا سيطر تنظيم طالبان على البلاد».
باختصار ما جرى من انسحابٍ أميركي مستعجل وترك البلاد لسيطرة كاملة من حركة طالبان هو ما صنعه بايدن، فماذا تغيّر في 12 عاماً في المشهد الأفغاني أو الدولي ليتغير رأيه بهذه الحدّة؟ الواقع يقول إن شيئاً لم يتغير بشكل يقلب المعادلات ويدفع باتجاه قرارٍ تاريخيٍ بالغ الخطورة والتأثير على أميركا والعالم بالانسحاب من أفغانستان.
«الانسحابية» من العالم هي إحدى الأفكار الرئيسة في تفكير أوباما وفريقه وتياره داخل الحزب «الديمقراطي»، وسياسات بايدن هي استمرار لتلك الرؤية التي يبدو من أحاديث أوباما المطوّلة عنها أن بايدن مقتنع بها، وفي بعض الأحيان أكثر حماسة لها من أوباما نفسه، وقد صنع بايدن ما هو مقتنع به تماماً.
حدّة النقد الموجهة لقرار بايدن تأتي من أميركا نفسها بل من التيار المؤيد له، قبل أنصار الحزب «الجمهوري»، فالكثير من الناس يعرفون المآلات التي سيوصل لها هذا القرار مستقبلاً، والخطر المحدق الذي ستجره على العالم وعلى أميركا نفسها، ولكن هذه الحدة لا تأتي من حلفاء أميركا حول العالم، لا من أوروبا ولا غيرها، وذلك أن أحداً لا يرغب في أي توترٍ سياسيٍ مع إدارة أميركية لم تكمل بضعة أشهرٍ منذ توليها السلطة، وبقي لها فيها أكثر من ثلاث سنواتٍ.
والسطحيون في تناول الملفات الشائكة يكتفون بقشور وشعارات سياسية وتحليلات اقتصادية غير مقنعةٍ وتوضح فقر المعرفة الشديد بكل ما يتعلق بحركات الإسلام السياسي.
سيتطور هذا النقد لقرار الانسحاب داخل أميركا أولاً بشكل طبيعي ثم سينتقل منها للعالم وسيكون مادةً ضخمةً للحكم على هذه الإدارة وأدائها في الانتخابات القادمة ورجال الكونجرس من الحزبين وبعض وسائل الإعلام المحسوبة على بايدن بدأت بالفعل بممارسة هذا النقد ومن السهولة اكتشاف أنه سيتطور لاحقاً.
أخيراً، فحركة «طالبان» وما تمثله داخل أفغانستان وعلاقاتها ببعض الدول الإسلامية والعربية موضوع طويلٌ يحتاج للكثير من الرصد والتحليل العلمي والموضوعي.