بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم- بعد أفغانستان والانسحاب الأمريكي وعودة “طالبان” إلى السلطة بعد عشرين عاماً من إطاحتها بها عقب هجمات “القاعدة” في 11 أيلول (سبتمبر) 2001 على نيويورك وواشنطن، كيف يمكن إيران أن تقرأ التطورات المتسارعة في البلد المجاور، وما هي الإنعكاسات المحتملة على مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015.
أولاً، يتعين التذكير بأن العلاقة بين إيران و”طالبان” تتسم بالحذر، بسبب العداء الذي حكم هذه العلاقة في التسعينات من القرن الماضي، بسبب إضطهاد الحركة الأفغانية السلفية لأقلية الهزارة التي هي على المذهب الشيعي وتشكل نحو 20 في المئة من إجمالي سكان أفغانستان البالغ نحو 40 مليون نسمة. ومعلوم أنه بنتيجة الحروب الأهلية في العقد الأخير من القرن المنصرم، لجأ نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون أفغاني إلى إيران. وحادثة أخرى عكرت مجرى العلاقة بين “طالبان” وطهران، عندما اقتحم مقاتلون من الحركة القنصلية الإيرانية في مزار الشريف وقتلوا 11 شخصاً بينهم 9 ديبلوماسيين.
ولهذه الأسباب، لقيت إطاحة “طالبان” عام 2001 على يد القوات الأمريكية ترحيباً إيرانياً ضمنياً على رغم العداء الذي يحكم العلاقة الأمريكية-الإيرانية. ويقال إن طهران سهلت بطريقة أو بأخرى الغزو الأمريكي. بيد أن الموقف الإيراني بدأ بالتغير، منذ صنف الرئيس الأميركي سابقاً جورج دبليو بوش طهران ضمن “محور الشر”، إلى جانب العراق وكوريا الشمالية.
ومع ذلك، حافظت العلاقة مع “طالبان” على توترها إلى أن بدأ الحديث عن إنسحاب أميركي نهائي من أفغانستان قبل أكثر من سنة. وسعت إيران التي كانت تربطها علاقات جيدة مع حكومة كابول إلى التوسط، بهدف تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد رحيل الأميركيين. وزار وفد من الحكومة الأفغانية و”طالبان” طهران قبل شهرين في سياق هذه المساعي.
ثانياً، أما وقد انهارت حكومة كابول وسيطرت “طالبان” على السلطة، فإن إيران التي رحبت بالإنسحاب الأمريكي، تنظر الآن بحذر وترقب إلى ما يجري في أفغانستان وإلى الطريقة التي ستتعامل بها “طالبان” مع الهزارة ومع العرقيات الأخرى الناطقة بالفارسية، قبل أن تتخذ الخطوة التالية.
ثالثاً، وهذا المهم، كيف ستحاول إيران ورئيسها الجديد إبراهيم رئيسي الاستفادة من الإنسحاب الأمريكي، في وقت تواجه المفاوضات النووية في فيينا طريقاً مسدوداً.
هل يقرأ رئيسي الإنسحاب الأمريكي، كنقطة ضعف وتالياً يتشدد أكثر في المفاوضات ويرفض تقديم تنازلات أمام المطالبة الأمريكية بجعل اتفاق 2015، منطلقاً لاتفاق أشمل وأوسع يتضمن البحث في البرنامج الصاروخي والدور الإقليمي لإيران؟
وهل يتمسك رئيسي بالنسخة الأصلية لخطة العمل الشاملة المشتركة مقابل رفع كامل العقوبات الأمريكية؟ وإلى أين يمكن أن يقود رفض واشنطن المطلب الإيراني، في وقت يهيمن التوتر على الشرق الأوسط وسط احتمالات أن تتطور “حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية إلى مواجهة علنية؟
ويتصاعد منسوب التوتر مع تسخين الحدود بين لبنان وإسرائيل واعتزام “حزب الله” استيراد النفط الإيراني لتعويض النقص الحاصل في الوقود في لبنان. بينما إسرائيل تواصل استهداف مواقع لفصائل موالية لإيران في سوريا.
وإذا أضفنا إلى ذلك تحذيرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أن استمرار إيران في تخصيب اليورانيوم بدرجة نقاء 60 في المئة يقربها من المستوى اللازم لصنع قنبلة نووية.
في خضم الغليان السائد في الشرق الاوسط، أتت تطورات أفغانستان غير البعيدة من القضايا الأخرى في المنطقة. ويبقى السؤال في مصلحة من ستصب هذه التطورات، وكيف ستعمل واشنطن وطهران على استثمار الحدث الأفغاني؟