الرئيسية / مقالات رأي / هل تتحول أفغانستان مرة أخرى مركزاً لــ”الجهاد العالمي”؟

هل تتحول أفغانستان مرة أخرى مركزاً لــ”الجهاد العالمي”؟

بقلم: أحمد نظيف – النهار العربي

الشرق اليوم- خلال أيام تحولت الدولة الأفغانية التي رعتها ودعمتها الولايات المتحدة الأمريكية خلال عشرين عاماً “إمارة أفغانستان الإسلامية”، لكأن الزمان استدار على هيئته عشية الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، عندما كانت حركة “طالبان” ما زالت تسيطر على مقاليد البلاد وتؤوي الآلاف من المجاميع الجهادية من جميع أنحاء العالم، لا سيما المجموعات العربية وعلى رأسها تنظيم “القاعدة” وزعيمه أسامة بن لادن، ولولا هجمات برجي التجارة لتواصل الوجود الجهادي العالمي في كابول لسنوات لا أحد يعرف نهايتها. واليوم وقد عادت “طالبان” إلى السلطة هل يمكن أن تستعيد أفغانستان قدرتها على جذب المئات من العناصر الجهادية المنتشرة في بقاع شتى من العالم، والتي تبحث عن معاقل جديدة هرباً من المطاردة الأمنية والعسكرية؟ وهل ما زالت الحركة الأفغانية الأصولية تمتلك روابط تعاون وتنسيق مع تنظيم “القاعدة”؟

على الرغم من نفي الحركة الدائم، إلا أن مؤشرات عديدة تنسف هذا الزعم، فبعد سبعة عشر شهراً من توقيع اتفاق الدوحة مع الجانب الأمريكي، لا تزال “طالبان” متحالفة بشكل وثيق مع “القاعدة” ولم تُظهر أي مؤشر الى أنها ستعامل المجموعة الإرهابية العالمية بشكل مختلف عما كانت عليه قبل هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر). وتكشف الأمم المتحدة في تقرير صدر في أوائل حزيران (يونيو) الماضي عن أن أعداداً كبيرة من مقاتلي “القاعدة” وعناصر إرهابية أخرى متحالفة مع “طالبان” موجودون في أجزاء مختلفة من أفغانستان واحتفلوا بخروج القوات الأميركية وحلف شمال الأطلسي من البلاد باعتباره انتصاراً. وبينما ينص اتفاق الدوحة على أن “طالبان” ستصدر تعليمات لأعضائها بعدم التعاون مع الجماعات التي تشكل تهديداً للولايات المتحدة وحلفائها، فإن منسق الأمم المتحدة لشؤون الدولة الإسلامية وفريق مراقبة “القاعدة” و”طالبان” إدموند فيتون براون، قالت في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي إن “طالبان” وعدت “القاعدة”، قبل وقت قصير من توقيع اتفاق الدوحة، بأن الجماعتين ستظلان في الواقع حليفتين. وفي تشرين الأول (أكتوبر) الماضي قتلت القوات الأفغانية قيادياً مصرياً بارزاً في تنظيم “القاعدة” في منطقة تسيطر عليها حركة “طالبان” في ولاية غزنة، ما يدل أيضاً الى استمرار تعاون “طالبان” و”القاعدة”. ويؤكد فريق الرصد الأممي في تقريره أن حركة “طالبان” وتنظيم “القاعدة” ما زالا متحالفين بشكل وثيق ولا يبدو هناك أي مؤشر الى فسخ روابطهما، ولا توجد مؤشرات حول أي تغيير مادي في هذه العلاقة، التي ازدادت عمقاً نتيجة لأواصر القتال والكفاح المشترك، اللذين وطدتهما الوشائج القائمة بين أفراد الجيل الثاني.

وفي حين وضع اتفاق الدوحة بعض التوقعات لفسخ العلاقة الطويلة الأمد بين حركة “طالبان” وتنظيم “القاعدة”، فإن نص الاتفاق المتاح للعموم لا يضع توقعات، وما زالت مرفقاته محاطة بالسرية. وبحسب المعلومات التي قدمها التقرير، يقيم تنظيم “القاعدة” في ما لا يقل عن 15 ولاية أفغانية، تقع أساساً في المناطق الشرقية والجنوبية والجنوبية الشرقية، ويقوده جناح جبهة النصر في التنظيم بتوجيه من الشيخ محمود، ونقلت حركة “طالبان” أعضاء الجماعة إلى مناطق نائية لتجنب إمكان انكشاف أمرهم واستهدافهم. كما يحافظ تنظيم “القاعدة” على اتصاله بحركة “طالبان” ولكنه قلص من اتصالاته العلنية بقادة الحركة سعياً إلى التواري عن الأنظار وعدم تعريض الموقف الدبلوماسي لـ”طالبان” إزاء اتفاق الدوحة للخطر. كما أن جزءاً كبيراً من قيادة تنظيم “القاعدة” لا يزال متمركزاً في المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان، حيث تنضم إلى التنظيم الأم جماعة تنظيم “القاعدة” في شبه القارة الهندية ويعمل بشكل وثيق معها. ويُعتقد أن استراتيجية التنظيم في الأجل القريب هي أن يحافظ على ملاذه الآمن التقليدي في أفغانستان لفائدة العناصر الأساسية من قيادته. ويحيط فريق الرصد علماً بالتقييمات التي أشارت إلى الاستراتيجية الطويلة الأجل التي يتبعها التنظيم الأم والمتمثلة في التحلي بالصبر الاستراتيجي لفترة من الزمن قبل أن يسعى مجدداً إلى التخطيط لشن هجمات ضد أهداف دولية. وهذا السيناريو لم يخضع للتمحيص على ضوء التزامات “طالبان” المعلنة بحظر مثل تلك العمليات. ويفيد التقرير الأممي بأن عدد أفراد تنظيم “القاعدة”، بما في ذلك جماعة تنظيم “القاعدة” في شبه القارة الهندية، يتراوح بين عدة عشرات من الأفراد و 500 فرد. أما أعضاء النواة الأساسية من التنظيم فهم من أصل غير أفغاني، ويتألفون أساساً من مواطنين متحدرين من شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن الاتصالات الرسمية بين كبار مسؤولي تنظيم “القاعدة” وحركة “طالبان” نادرة حالياً، لكن هناك اتصالات منتظمة بين الحركة والتنظيم بشأن المسائل المتصلة بعملية السلام. ويعتقد أن زعيم الجماعة أيمن الظواهري موجود في مكان ما من المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان. ولم تتأكد التقارير السابقة عن وفاته بسبب سوء حالته الصحية.

كما تعمل جماعة تنظيم “القاعدة” في شبه القارة الهندية تحت مظلة “طالبان” من ولايات قندهار وهلمند (ولا سيما بهرام شاه) ونيمروز. وتذكر التقارير أن الجماعة تتألف أساساً من مواطنين أفغان وباكستانيين، ولكن أيضاً من أفراد يتحدرون من بنغلاديش والهند وميانمار. والزعيم الحالي لتنظيم “القاعدة” في شبه القارة الهندية هو أسامة محمود، وقد خلف الراحل عاصم عمر. وتذكر التقارير أن الجماعة جزء “عضوي” أو أساسي من التمرد لدرجة أنه من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، فصلها عن حلفائها من حركة “طالبان”. وتأكد وجود تنظيم “القاعدة” في أفغانستان أيضاً على لسان أجنحة الدعاية والإعلام التابعة له. فقد أوردت نشرة “ثبات” الإخبارية الأسبوعية التابعة لتنظيم “القاعدة” معلومات عن عمليات التنظيم داخل أفغانستان، فذكرت قائمة الهجمات التي شنها تنظيم “القاعدة” منذ عام 2020 في ثماني عشرة ولاية. وفي أيار (مايو) 2020، نشرت جماعة تنظيم “القاعدة” في شبه القارة الهندية رسالة صوتية بمناسبة عيد الفطر صورت فيها اتفاق الدوحة باعتباره مثالاً على النصر الإلهي وجزاء من الله على مواصلة الجهاد. ولئن كان من المتوقع أن يبقى التنظيمان على موقف التباعد والاحتراز طالما تعين ذلك لتحقيق أهداف “طالبان”، فإن التنظيم سيستفيد مع ذلك من تجدد صدقيته بفضل المكاسب التي تحققها “طالبان”. وسيكون من المهم للمجتمع الدولي أن يرصد أي مؤشر الى تحول أفغانستان مجدداً وجهة يقصدها المتطرفون الذين لهم مخططات إقليمية ودولية على حد سواء.

كما أن صعود “طالبان” إلى السلطة، وقدرتها على بسط سيطرتها على معظم أو كل أجزاء البلاد، سيكون ملهماً للمتطرفين الإسلاميين في جميع أنحاء العالم، كما فعلوا في التسعينات. ويشير اتفاق الدوحة إلى أن “طالبان” ستتعامل مع أولئك “الذين يلتمسون اللجوء أو الإقامة في أفغانستان وفقاً لقانون الهجرة الدولي … حتى لا يشكل هؤلاء الأشخاص تهديداً لأمن الولايات المتحدة وحلفائها”، ومع ذلك، فإن البند التالي يمثل ثغرة كبيرة، حيث يؤكد أن “طالبان” لن تقدم وثائق رسمية لأولئك الذين يسعون لدخول البلاد والذين يشكلون تهديداً للولايات المتحدة. بعبارة أخرى، يمكن لـ”طالبان” ببساطة أن تغض الطرف عن وصول المقاتلين الإرهابيين الأجانب إلى أفغانستان، وأن تظل ضمن نص اتفاقية الدوحة.

ويذهب التقرير الأممي إلى أنه على الرغم من أن حركة “طالبان” تواصل ممارستها التي اتبعتها منذ عهد طويل والمتمثلة في رفض وجود المقاتلين الإرهابيين الأجانب في أفغانستان، فإن مقاتلين من مجموعة متنوعة من البلدان والجماعات المسلحة يواصلون العمل في البلد، ومعظمهم يحظى بحد أدنى من التسامح أو الحماية لدى “طالبان”. ويقدر فريق الرصد الأممي أن عدد المقاتلين الإرهابيين الأجانب يتراوح بين ثمانية وعشرة آلاف مقاتل، وهم يتألفون أساساً من أفراد قادمين من أماكن من جملتها آسيا الوسطى ومنطقة شمال القوقاز التابعة للاتحاد الروسي وباكستان ومنطقة شينغيانغ الإيغورية المتمتعة بالحكم الذاتي في الصين. وعلى الرغم من أن أغلبيتهم تنتسب إلى حركة “طالبان” في المقام الأول، فإن الكثيرين يؤيدون تنظيم “القاعدة” أيضاً. ويتحالف آخرون مع تنظيم “داعش” أو يتعاطفون معه.

كما تشترك الصين وروسيا وإيران في مخاوفها بشأن احتمال ظهور تهديد إرهابي متزايد من أفغانستان مع تقدم “طالبان” في الأرض، لكن لا يمتلك أي منهم بمفرده نفوذاً أو إرادة سياسية كافية للتأثير بشكل كبير في الموقف. حيث ستتبع كل دولة خطوات تكتيكية لحماية مصالحها الخاصة بمكافحة الإرهاب، بخاصة بالنسبة الى الجانب الصيني الذي يخشى أن تؤدي سيطرة “طالبان” على أفغانستان إلى تنامي وجود مقاتلي الحزب الإسلامي التركستاني، وهو جماعة جهادية قريبة من “القاعدة” تريد الإنفصال في إقليم شينغيانغ شرق البلاد وإقامة دولة إسلامية. فقد شهد الحزب تطوراً في قدراته العسكرية من خلال مشاركته في الحرب الأهلية في سوريا كفاعل أكثر قدرة من أي من الكيانات السابقة له، وله وجود في أفغانستان أيضاً. وطالما عبّرت الصين عن قلقها بشأن عودة المزيد من المقاتلين المتمرسين في القتال من شمال سوريا.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …