بقلم: علي قباجة – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- كأحجار الدومينو سقطت المدن الأفغانية الواحدة تلو الأخرى في قبضة حركة “طالبان”، حتى تمكنت أخيراً في وقت قياسي من محاصرة العاصمة كابول والسيطرة عليها دون قتال والاستيلاء على المعابر الحدودية، بعد انسحاب السلطات الحكومية، وتفكك الجيش. وعادت الحركة بعد الإطاحة بها قبل 20 عاماً من قبل تحالف دولي قادته أمريكا، معززة صفوفها أكثر من ذي قبل، جراء الانسحاب الأمريكي والأطلسي المتسارع، حيث وصفت العديد من العواصم الغربية أن ما حدث هو ضربة لواشنطن وحلفائها، ويُعدّ انتصاراً كبيراً ل”طالبان”، وهذا “الانتصار” سعت الحركة للحفاظ عليه، عندما أعلنت عن برنامج تصالحي، ووعدت المجتمع الدولي بالانفتاح ومنع تصدير أي اعتداء من أفغانستان إليها، وطرحت برنامجاً مغايراً تماماً لما كانت تسير عليه قبل سقوط حكمها الذي استمر بين عامي 1996 و2001.
يد “طالبان” أضحت هي العليا في البلاد، وباتت الحاكم الفعلي دون منازع، بل إن الدول الكبرى أصبحت ترى في وجودها وحكمها أمراً واقعاً لا بد من التعامل معه، ورأت أن ثمة شروطاً في حال تحققت فإنه لا مانع من التعامل معها، ومنها نبذ الإرهاب وتوحيد المجتمع وحماية حقوق المرأة، لكن “طالبان” التي تطورت سياسياً بشكل لافت خلال الحرب بتبنيها الفلسفة البراجماتية، قدمت نفسها على أنها أكثر انفتاحاً من السابق، حيث أكدت في هذا الصدد أنها ستراعي الحقوق وستعمل على حكومة تضم أطيافاً عدة، وستتعامل مع الدول الأخرى وفق المصلحة المتبادلة، لتعطي انطباعاً أنها غيرت من عقيدتها السياسية في طريقة حكم البلاد، لتسارع روسيا والصين بالترحيب بتصريحات قيادييها الأولى.
وبالفعل فإن الحركة بدأت بمباحثات مع أقطاب الحكومة السابقة، لإشراكهم في الحكم، وأعطت الأمان للبعثات الدبلوماسية، وسهلت انتقالهم إلى مطار كابول، ودعت مسلحيها إلى عدم الانتقام وأصدرت عفواً عاماً، ودعت الهاربين إلى العودة وعدم الخوف، وهو ما دفع حكومات عدة إلى الترحيب بهذه الخطوات، ورأت أن إعطاء الحركة فرصة أمر لا مفر منه، فقائد الجيش البريطاني طالب المجتمع الدولي بمنح فرصة للحركة.
لكن لم تحسم القوى الغربية بعد طبيعة العلاقات التي ستقيمها مع الحركة – باستثناء فرنسا التي اتخذت موقفاً واضحاً من رفضها لحكمها- فالقوى ما زالت تتريث حتى ترى إلى أين تسير الأمور، وإلى أي مدى تلتزم “طالبان” بأقوالها عبر ترجمتها بأفعال، فمستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي جايك سوليفان أكد أنه سيكون على “طالبان” أن تظهر لبقية العالم من هي، وأن التقييم من السابق لأوانه، أما فيما يتعلق بروسيا والصين فإنهما ربما تضطران للتعاون مع الحركة لتعزيز نفوذهما بعد الفراغ الذي تركته أمريكا.
المستقبل في أفغانستان غامض ويشوبه الكثير من التعقيدات.. فالضوء مسلط الآن على “طالبان” من قبل المجتمع الدولي لاتخاذ موقف واضح منها، إذ هل ستتخلى عن تشددها السابق ثم تجمع الأطراف على طاولة واحدة لتوحيد البلاد، أم إنها ستبقى تراوح مكانها وتعيد البلاد سنوات للوراء.. الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة.