بقلم: جيمس زغبي – صحيفة الاتحاد
الشرق اليوم- خلال الأسبوع الماضي، سُئلت مراراً وتكراراً عن الانسحاب الفوضوي لإدارة بايدن من أفغانستان. كان الصحفيون الأجانب يريدون رأيي في تأثير تخلي الولايات المتحدة عن الحكومة الأفغانية، وفي المكانة الأميركية وفي ثقة الحلفاء في الالتزامات الأمريكية، بينما يركز الصحفيون الأمريكيون على تأثير المشاهد في مطار حامد كرزاي الدولي في كابول على شعبية الرئيس بايدن وآفاق “الديمقراطيين” في عام 2022.
أولاً تعرضت مكانة أمريكا وثقتها بالفعل لضربة قاتلة بسبب حروب إدارة جورج دبليو بوش الطائشة في أفغانستان والعراق والسعي الحثيث والعقيم لتحقيق الديمقراطية. لقد أهدر التزام والده بالدبلوماسية والاستخدام الحذر للقوة الأمريكية، وصدق بحماقة مستشاريه من “المحافظين الجدد”.
ومع استبعاده للتقييمات الأكثر رصانة لمجتمع الاستخبارات الذي حذر من القوى القوية للمجموعات القبلية والطائفية والعرقية في أفغانستان، حاول بوش الابن إنشاء ديمقراطية معتدلة مؤيدة لأميركا في ذلك البلد. وفهمت الإدارتان اللتان تعاقبتا هذا الأمر على أنه “مهمة أحمق”، لكنها استمرت في دعم الحكومة في كابول لأسباب سياسية داخلية. وبعد مرور عشرين عاماً، سقطت مهمة إيقاف هذه الحرب الكارثية على عاتق بايدن. وبينما أقر بايدن أخيراً بالفشل ووضع حداً له، كان تنفيذ الانسحاب بمثابة كارثة.
على الرغم من الأغلبية “الديمقراطية” الضئيلة بشكل غير مستقر في الكونجرس، كانت الأيام المئة الأولى لبايدن ناجحة، حيث نفذ بعض وعود حملته الانتخابية. ثم حدث ارتفاع في عدد المهاجرين غير الشرعيين على الحدود الجنوبية، وعودة ظهور الجائحة، والآن أفغانستان بمثابة تذكير قوي بأن الأجندة التي يضعها الواقع تحل دائماً محل أجندتك الخاصة. وبعد أن وجدت نفسها غير متأهبة، كافحت إدارة بايدن لمعالجة الوضع على الحدود وعودة ظهور الجائحة، الأمر الذي سيكون حاسماً في تشكيل ثقة الناخبين في الإدارة.
أما أفغانستان، فتلك مسألة أخرى. كان ينبغي توقع انهيار حكومة كابول وانتصار طالبان. مع اقتراب موعد المغادرة الذي حددته إدارة ترامب، لماذا لم نكن مستعدين بشكل أفضل؟ لماذا الانسحاب الاستباقي للقوات الأميركية ثم الإعلان المفاجئ عن إرسال تعزيزات؟ لماذا لا توجد خطة للقيام بإخلاء مرحلي أكثر تنظيماً؟ ما الذي دار في المباحثات مع طالبان في السنوات الأخيرة؟ الآن، المشاهد عالقة في أذهان الناس في جميع أنحاء العالم. لقد انتهت الحرب الكارثية التي قادها بوش واستمر فيها أوباما وترامب في أفغانستان. في حين أنه قد يبدو من غير المنصف أن تظل الصور الدائمة لهذا المشهد مرتبطة ببايدن، فإن السياسة ليست عادلة أبداً.
إذا استمر بايدن في دعم الحكومة، لكان الحزب “الجمهوري” قد هاجمه، تماماً كما يهاجمونه الآن لخيانته حليفاً. وإذا لم يكن قد عرض إجلاء الأفغان الذين كانوا يعملون مع الولايات المتحدة، لكان قد تعرض للهجوم من قبل الجمهوريين لتخليه عنهم، تماماً كما يتعرض الآن للهجوم لعرضه جلب الكثيرين إلى الولايات المتحدة.
ومع ذلك، في حين أن التداعيات المحلية لرحيل الولايات المتحدة الفوضوي من أفغانستان قد تمثل مشكلة لإرث بايدن، فلن تكون بالضرورة مشكلة للديمقراطيين في عام 2022. كان معظم الأمريكيين يريدون إنهاء “الحرب الأبدية” في أفغانستان، على الرغم من أن المشاهد من كابول كانت محزنة ومربكة للغاية. قد يسعى “الجمهوريون” إلى استغلال هذه الكارثة، لكنها لن تخدمهم بشكل جيد. فلم يحققوا نجاحات في السياسة الخارجية، وبحلول نوفمبر 2022، من المرجح أن يركز الناخبون على المخاوف المحلية.
على الرغم من جهود “الجمهوريين” لجعل الانتخابات استفتاءً على بايدن، إلا أنه ليس شخصية استقطابية مثل سلفه. إن الإرث المتضائل وإن كان قوياً لترامب والترامبية يخيم على الحزب “الجمهوري”، وسيظل عاملاً حاسماً داخل الحزب “الجمهوري” وفي المنافسات بين “الجمهوريين” و”الديمقراطيين”. بحلول خريف 2022، إذا كان الوباء تحت السيطرة، والاقتصاد يحقق نمواً، ونفقات البنية التحتية الجديدة تخلق فرصَ عمل، فإن الانتخابات ستكون حول هذه القضايا. وبالنسبة للناخبين الأميركيين، ستظل أفغانستان مجرد ذكرى مريرة ولكنها آخذة في التلاشي.