بقلم: آشلي جاكسون
الشرق اليوم- رغم كل الاتهامات والتصريحات المتبادلة حول كيفية سيطرة حركة طالبان على أفغانستان بهذه السرعة، تبقى هناك حقيقة صعبة يجب وضعها في الحسبان: لقد أمضت طالبان سنوات في الاستعداد لانسحاب الولايات المتحدة في نهاية المطاف. ورغم التعزيزات العسكرية العديدة والضربات الجوية التي لا هوادة فيها ومقتل الآلاف على جميع الأطراف، لم يتمكن أحد من وقف هذه الحركة. وعاماً تلو آخر، حقق مقاتلو طالبان مكاسب، وذلك بنجاحهم من خلال الإكراه والاستحواذ على إخضاع قطاعات كبيرة من السكان تحت مظلة حكمهم وأقاموا دولة ظل. واستغلت حركة طالبان الغضب إزاء انتهاكات القوات الأجنبية وفساد الحكومة الأفغانية لكسب التأييد في قرية بعد أخرى.
السؤال الآن: ما نوع الحكومة التي ستفرضها حركة طالبان؟ وماذا سيعني ذلك بالنسبة للأفغان؟
إلى حد ما، يعرف العالم بالفعل كيف ستجري الأمور، نظراً لأن طالبان كانت تسيطر بالفعل بشكل أساسي على أجزاء من أفغانستان منذ سنوات. ومع ذلك، فمن الأسهل بكثير الاستيلاء على الأرض في إطار حركة تمرد عن تولي مقاليد الحكم بها. وقد كان هذا أحد أكثر الدروس إيلاماً لطالبان في التسعينات، عندما اكتسحت طريقها نحو السلطة سريعاً، لكن أداءها كما رأى العالم جاء كارثياً على مستوى الحكم. وعليه، فنحن لا نعرف حتى الآن كيف تنوي طالبان حكم الأمة ككل.
الملاحظ أن جهود إدارة طالبان بدائية وممتدة على مساحة شاسعة الاتساع، كما أن هناك اختلافات صارخة بين المناطق الشديدة المحافظة التي ظلت لفترة طويلة تحت نفوذ طالبان والمناطق الحضرية الأكثر تقدمية نسبياً والتي سيطرت عليها الحركة في الفترة الأخيرة. وثمة مؤشرات قليلة للغاية حول قدرة طالبان لحكم المدن – أو البلد ككل – بمفردها. إضافة لذلك، فإن المشهد الاجتماعي الأفغاني أشد تعقيداً عن التقسيم البسيط بين مناطق حضرية وريفية، لكن منذ عام 2001، استفاد سكان المدن بشكل عام أكثر من الأمن والمساعدات والفرص التي وفرها التدخل الدولي. كما تحركت النساء بحرية نسبية وعملن والتحقن بالمدارس، واختلفت الأعراف الاجتماعية بشكل كبير عن عقلية طالبان.
في المناطق التي سيطرت عليها طالبان على امتداد فترة طويلة، تفرض المحاكم نسختها الخاصة من من مفهوم الحركة للشريعة الإسلامية. كما عينت ولاية الظل التابعة لطالبان مسؤولين لمراقبة المدارس وتنظيم العيادات التي تديرها المنظمات غير الحكومية. ومع ذلك، يظل أسلوب الإدارة الذي تتبعه الحركة طفيلياً إلى حد كبير، وغالباً ما تسعى طالبان لنسب الفضل إلى نفسها عما يقدمه آخرون. أما الخدمات العامة، فتعتمد بشكل كبير على برامج المساعدات والمساعدات الخارجية، خاصة أن المنح تمثل حوالي 80 في المائة من الإنفاق العام لأفغانستان. ويكاد يكون في حكم المؤكد أن كليهما سينخفض بسرعة في ظل أي حكومة تتبع طالبان.
من جانبي، قضيت الكثير من مسيرتي المهنية في أفغانستان. وخلال تلك الفترة، أجريت مقابلات مع العشرات من مقاتلي طالبان ومئات الأفغان الذين يعيشون تحت سيطرتهم. ومن بين مئات الأفغان الذين قابلتهم في مناطق سيطرة طالبان على مر السنين، قلة هم من أعربوا عن تفضيلهم لطالبان. ويستغل معظم الناس طاعتهم لطالبان للتخفيف من معاناتهم. بل إن البعض منهم أقنع المتمردين بالتصرف على غرار نمط الحكومة المسؤولة الذي تقول الحركة إنها ترغب في أن تصبح عليه. وتبعاً لمدى براعة السكان المحليين في المساومة ومدى الضغط الذي حشدوه، اختلفت سياسات طالبان – على سبيل المثال – حول ما إذا كان بإمكان الفتيات الالتحاق بالمدارس الابتدائية من مكان إلى آخر.
حتى إن بعض عناصر طالبان المحلية قد سعوا في الأشهر الأخيرة إلى طمأنة السكان وإدارة المؤسسات الحكومية حتى يستمروا في العمل. وفي بعض المدن، مثل قندوز، ظهرت تقارير عن محاولة مسؤولي طالبان إقناع موظفي الخدمة المدنية بالعودة إلى العمل. وفي مناطق أخرى، كما هو الحال في أجزاء من مقاطعة غزنة، تواترت تقارير حول مواجهة طالبان لأي شخص مرتبط بالحكومة أو قوات الأمن وتدميرهم لممتلكات.
الواضح أن حركة طالبان تواجه على نطاق واسع خيار إما فرض الحصار والسعي للانتقام وتدمير بقايا تدخل ما بعد عام 2001 أو استيعاب ما في وسعها وعقد صفقات مع هؤلاء الأشخاص والفصائل الذين يمكن إقناعهم بالتعاون. وليس من الواضح حتى الآن ما إذا كان أعضاء طالبان أنفسهم يعرفون ما يريدون هنا. وإدراكاً من جانبها لأن العالم يراقبها، تبدو القيادة السياسية للحركة حريصة على مواجهة الصحافة السلبية وتجنب التحول إلى دولة منبوذة، كما كان الحال في التسعينات.
في هذا الصدد، أكد المتحدث باسم طالبان، سهيل شاهين، في تصريحات لـ”بي بي سي”، الأحد: “نحن خدام الشعب وهذا البلد. نطمئن الناس في أفغانستان، ولا سيما في مدينة كابل، أن ممتلكاتهم وحياتهم آمنة. لن يكون هناك انتقام من أحد”. بعد سقوط كابل، حث الملا عبد الغني بردار، في رسالة بالفيديو، مقاتلي طالبان على إظهار “التواضع”.
ومع ذلك، ربما لا يتفق قادة طالبان العسكريون ومقاتلوها على الأرض مع هذا التوجه. وبينما أعلنت طالبان الآن أنها لن تنتقم من أولئك المرتبطين بالحكومة السابقة، تواترت بالفعل تقارير حول تصفية حسابات وتنفيذ هجمات وجرائم حرب محتملة. جدير بالذكر في هذا الصدد أن قوات طالبان في الغالب من الشباب غير المتعلم وغير المهيأ للحياة بعد الحرب. وخلال إحدى المقابلات، أخبرني شخص يدعى ظاهر، وهو طالب جامعي في فارياب: “إن معظم أفراد طالبان هنا يبلغون من العمر 18 أو 20 عاماً، والشيء الوحيد الذي يعرفونه عن الحكومة هو كيفية تصفية الأشخاص الذين يعملون لحسابها”.
واليوم، أعرب الكثير من الأفغان الذين تحدثت معهم داخل المدن عن خشيتهم من وقوع الأسوأ، متذكرين كيف كانت الحياة في ظل حكم طالبان قبل عام 2001. ويمكن القول في هذا السياق إن المناطق الحضرية عانت أكثر عن غيرها، لأنها كانت تمثل خطراً أخلاقياً وفساداً من وجهة نظر طالبان.
ومن المعتقد أن أحد الاختبارات الحقيقية أمام طالبان الآن ما إذا كان بإمكانهم أن يحكموا – وأن يحكموا بالتعاون مع – أولئك الذين يختلفون معهم جذرياً. ويقدم التاريخ الحديث درساً قيماً يؤكد أن التسويات السياسية الإقصائية لا تصمد على أرض الواقع. والواضح أن أفغانستان دولة كبيرة للغاية ومتنوعة، وسبق أن زرعت السياسة الإقصائية الصراع مراراً وتكراراً. وقد حدث ذلك عام 2001، عندما جرى استبعاد طالبان من اتفاقية بون، التي أعادت تشكيل الدولة الأفغانية بعد الغزو الأمريكي، مثلما سبق وحدث في التسعينات، عندما رفضت طالبان استيعاب خصومها.
وعليه، فإن أفضل ما يمكن أن نأمله أن تكون حكومة طالبان الجديدة أكثر براغماتية عن السابقة، وأن تدرك أن المساعدة والاعتراف الدوليين ضروريان لبقائها. إلا أنه بغض النظر عن الطريقة التي تقرر بها طالبان الحكم، سيتعين على الدول الغربية إيجاد طريقة للتعامل معها في قضايا مكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان والقضايا الإنسانية. ومن شأن قطع العلاقة الآن محو أي نفوذ خلفته الولايات المتحدة ودول أخرى وراءها وترك الأفغان في مواجهة أسوأ مصير على الإطلاق.
بالاتفاق مع صحيف الشرق الأوسط