الشرق اليوم– استطاعت حركة “طالبان” اجتياح أفغانستان وفرض سيطرتها على عواصم المقاطعات الكبرى في بضعة أيام، ولكن المقابلات مع قادة الحركة والسياسيين الأفغان والدبلوماسيين والمراقبين الآخرين تشير إلى أنها وضعت الأساس لانتصارها قبل وقت طويل من أحداث الأسبوع الماضي.
طالبان التي فقدت سيطرتها منذ 20 عاما، استطاعت العودة إلى حكم البلاد بعد إقامة علاقات مع المسؤولين السياسيين والعسكريين وكذلك شيوخ القبائل، بحسب ما نقلته وكالة “رويترز” عن مقاتلي الحركة .
وقد أدى ذلك، إلى جانب الانسحاب المعلن مسبقا للقوات الأجنبية من أفغانستان، إلى زعزعة الثقة في الإدارة المدعومة من الغرب في كابل، وشجع الناس على الانشقاق.
وقال أسفانديار مير، محلل أمني من جنوب آسيا يعمل مع جامعة ستانفورد، إن “طالبان لم ترغب في خوض المعارك”، موضحا أنها “أرادت التسبب في انهيار سياسي”.
وفي الأسبوع الماضي، سقطت مدن وبلدات بسرعة كبيرة، حتى في شمال البلاد حيث تكون حركة طالبان أضعف عادة، وبلغت ذروتها في الاستيلاء على العاصمة كابل، الأحد الماضي.
واعتبر أحد قادة طالبان في إقليم غزنة (وسط البلاد) أنه “بمجرد أن غادرت الولايات المتحدة، انهارت مقاومة وقوة القوات الحكومية”، مبينا أنه “في أسبوع واحد فقط، سقطت جميع المدن الأفغانية الرئيسية، من قندوز في الشمال إلى قندهار في الجنوب”.
ولفت إلى أن “القادة الأفغان الذين استسلموا لنا، فعلوا ذلك لأنه لم يعد هناك المزيد من الدولارات”، في إشارة إلى الدعم المالي الذي تلقته الحكومة والجيش من الغرب منذ حوالى العقدين.
وكان الرئيس، أشرف غني، قد غادر البلاد، وقال لاحقا إنه قرر المغادرة “حقنا للدماء”.
بدورها، أوضحت المنظمة الرقابية الأميركية (سيغار)، التابعة للكونغرس والمعينة لمراقبة مهمة الولايات المتحدة في أفغانستان، في يوليو، إن “القوات الأفغانية أبدت مستوى معين من المقاومة في بعض المناطق، “بينما استسلمت في مناطق أخرى”.
ومنذ مايو الماضي، بدأت الحركة بتوسيع رقعة نفوذها في أفغانستان، تزامنا مع بدء المرحلة الأخيرة من انسحاب القوات الأميركية المقرر اكتماله بحلول 31 أغسطس الجاري.
من جهته، وصف الملا عبد الغني بردار، رئيس المكتب السياسي لطالبان في الدوحة، ما حصل بـ”انتصار منقطع النظير، لكنه جاء بسرعة غير متوقعة”، مضيفا “لقد وصلنا إلى وضع لم يكن متوقعا على الإطلاق”.
فيما شدد المتحدث باسم طالبان في الدوحة، سهيل شاهين، على أنه “تم تأمين أعداد كبيرة من المناطق”، موضحا أنه “تم إجراء محادثات مباشرة مع قوات الأمن، فضلا عن وساطة شيوخ العشائر وعلماء الدين، وذلك في جميع أنحاء أفغانستان، ليس في إقليم معين أو موقع جغرافي معين”.
بعد الاستيلاء على مساحات شاسعة في الريف النائي، قامت طالبان بتأمين مواقع المراقبة الحدودية وقطعت مصدرا رئيسيا للإيرادات عن الحكومة والدعم من القبائل المحلية التي كانت تتحصل تقليديا على حصة من رسوم الجمارك كثمن لولائها.
كانت هذه الاستراتيجية مقدمة أفضت إلى إضعاف الحكومة بقيادة غني، وهو أكاديمي تلقى تدريبا في الغرب ويحظى بدعم واشنطن، لكن نصيبه من الدعم الشعبي خارج كابل محدود وعلاقاته ضعيفة حتى مع بعض قادته العسكريين.
بمجرد فراره من القصر يوم الأحد، اعتبر وزير دفاعه الجنرال، بسم الله محمدي، على تويتر أن غني “قيد أيدينا خلف ظهورنا وباع بلادنا. اللعنة على غني وعصابته”.
ينتمي غني إلى البشتون ولا يثق به أعضاء المجموعات العرقية الأخرى ويعتمد في الحصول على الدعم على القادة المشاغبين من التحالف الشمالي السابق الذي جندته الولايات المتحدة لهزيمة طالبان في 2001. ومن بين هؤلاء القادة عطا محمد نور الحاكم السابق لإقليم بلخ والزعيم الأوزبكي رشيد دوستم.
لكن مثابرة طالبان وجهودها الدؤوبة قوضت نظام المحسوبية والولاء الذي أبقى مثل هؤلاء الزعماء في مراكزهم فاضطروا للهرب، يوم السبت.
توجه عطا نور باللوم على “مؤامرة كبرى منظمة وجبانة” بعدما سقط معقله المنيع في مدينة مزار الشريف في الشمال دون قتال قبل يوم من دخول طالبان إلى كابل.
المصدر: رويترز