الرئيسية / مقالات رأي / لماذا طلبت إدارة بايدن من “أوبك” زيادة إنتاج النفط؟

لماذا طلبت إدارة بايدن من “أوبك” زيادة إنتاج النفط؟

بقلم: أنس بن فيصل الحجي – اندبندنت عربية

الخبر

طالب جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي في حكومة جو بايدن، في نص مكتوب، دول “أوبك” بزيادة الإنتاج، بهدف التخفيف من معاناة الناس حول العالم الناتجة من ارتفاع البنزين، وركز على أن انخفاض أسعار البنزين مهم للنمو الاقتصادي العالمي.

النتائج

تغطية إعلامية واسعة حول العالم للطلب الأميركي من دول “أوبك” زيادة الإنتاج، ثم إعصار من الانتقادات من كافة الأطراف والأحزاب في الولايات المتحدة وكندا وعلى كل المستويات، بما في ذلك حكام الولايات النفطية وأعضاء الكونغرس ومجلس الشيوخ. تلت ذلك سخرية لاذعة من المحللين والمراقبين، واستغراب من الدول النفطية. عقب ذلك قام البيت الأبيض بتهدئة الأمور ومحاولة تخفيف النتائج السلبية التي نتجت من هذا التصريح، الذي وصفه كثيرون بأنه “غبي” و”ينم عن جهل شديد”. وطالب البيت الأبيض من وزارة الطاقة التدخل في محاولة للتخفيف من حدة الانتقادات، بخاصة أنها وقفت ضد التصريح، وتفاجأت به مثلما تفاجأت دول “أوبك”.

التفسيرات

يصعب تفسير ما حصل في ظل عدم وجود معلومات خاصة ومؤكدة. وسبب الصعوبة هو ما يلي، الرسالة تركز على الآثار الاقتصادية لارتفاع أسعار البنزين، وتطالب “أوبك” بزيادة إنتاج النفط الخام.  

أولاً، إذا كان الأمر اقتصادياً، لماذا لم تتكلم عنه وزارة التجارة أو وزارة الطاقة أو وزارة الداخلية؟ لماذا يتكلم عنه مستشار الأمن القومي؟

ثانياً، الحديث عن البنزين، بينما المطالبة بزيادة إنتاج النفط الخام. زيادة إنتاج النفط ثم شحنه إلى الولايات المتحدة، مثلاً، ثم تخزينه وتكريره ثم شحن البنزين يستغرق أشهراً، ومن ثم فإن زيادة إنتاج النفط من قبل دول “أوبك” لن تؤثر في أسعار البنزين الحالية التي يقال عنها إنها مرتفعة.

إذاً المطالبة لم تكن منطقية، وهذا سبب وصف بعض كبار الشخصيات لها بأنها “غبية”، “وتنم عن جهل شديد”.

البنزين والتضخم

إلا أن بعض المعلومات الخاصة التي وردت من البيت الأبيض توحي بأن القصة وما فيها، أن بعض المساعدين كانوا يراقبون أسعار البنزين والتضخم، وأيقنوا أن ارتفاع البنزين ليس في صالح رئيسهم، فقرروا التركيز على الموضوع، وقادهم جهلهم، لأنه لا يوجد بينهم شخص واحد يعرف أي شيء عن الطاقة أو النفط، إلى أن على “أوبك” زيادة الإنتاج. الآن يريدون توصيل الرسالة، وبحثوا عن شخص مهم، ولم يتجاوب معهم إلا بليك سوليفان، مستشار الأمن القومي، الذي ليس له أي خبرة في أسواق النفط. 

إذاً الأمر لا يعدو عن تصرف “مبتدئين”، وأدرك البيت الأبيض ذلك وسعى إلى تطويق الأزمة.

ولكن موضوع التضخم مؤرق للإدارة، ومن ثم تحاول التخفيف من حدته مهما كان مصدره، وإذا كان البنزين والمشتقات النفطية الأخرى أحد مصادره، فلم لا؟ والأرق من التضخم ليس بسبب انعكاساته السياسية فقط، ولكن له انعكاسات اقتصادية ضخمة. فقد جاء تصريح سوليفان بعد يوم من موافقة مجلس الشيوخ على حزمة تحفيزية للاقتصاد، بلغت تريليون دولار (ألف مليار دولار)، التي تشكل موازنة البنية التحتية جزءاً كبيراً منها. هذه الحزمة تضخمية بطبيعتها، وأي مصادر أخرى للتضخم ستجعل معدلات التضخم ترتفع إلى مستويات أعلى من المتوقع.

ارتفاع معدلات التضخم يعني أن الحزمة ستنجز مشاريع أقل، وهذا ما لا تريده الإدارة. وبما أن البنية التحتية تستهلك كمية ضخمة من الوقود، فإن انخفاض تكلفة الوقود يعني انخفاض تكلفة تلك المشاريع أو بناء مشاريع أكثر بالتكلفة نفسها. هذا الشرح لا يناقض فكرة المساعدين أعلاه، بل يؤيدها، حيث أن الإدارة قلقة من الآثار التضخمية للإنفاق الكبير على مشاريع البنية التحتية، ومن ثم فهي قلقة من ارتفاع أسعار الوقود، وما يمكن أن يكون لذلك من آثار اقتصادية وسياسية.

البعد الاستراتيجي المحلي: الانتخابات النصفية

من أساسيات السياسة في الولايات المتحدة، أنه إذا أردت أن تدفع عدداً أكبر من الناخبين للتصويت، فاجعل قضية تهمهم قضية انتخابية. وأكثر ما يخيف إدارة بايدن الآن خسارة الأغلبية في مجلس الشيوخ في الانتخابات النصفية المقبلة. وآخر ما تريده هو أن يستغل الجمهوريون موضوع ارتفاع أسعار البنزين لتشجيع الناخبين الجمهوريين على الذهاب للتصويت. بالنسبة إلى إدارة بايدن، الموضوع ليس فقط مجرد ارتفاع أسعار، فهم يدركون أن الجمهوريين سيربطون بين ارتفاع أسعار البنزين وسياسات التغير المناخي التي خفضت إنتاج النفط الأميركي من جهة، ورفعت التكاليف من جهة أخرى. إذاً حكومة بايدن لا تريد أن يتحول ارتفاع أسعار البنزين إلى تصويت على مشاريع التغير المناخي التي تبنتها.

هذه الفكرة لا تتناقض مع فكرة قيام المساعدين بصياغة الفكرة ثم مطالبة مستشار الأمن القومي بتبنيها وإرسالها.

البعد الاستراتيجي الدولي: الدول النفطية و”أوبك

كون أن الرسالة جاءت من مستشار الأمن القومي، وهو الذي شارك في المباحثات السرية مع إيران في 2013، عندما كان في حكومة باراك أوباما، ثم مشاركته في صياغة الاتفاق النووي مع إيران، فإن مطالبة دول “أوبك” بزيادة الإنتاج لا يمكن أخذها بمعزل عن خبراته السابقة. فما الذي يعرفه، بحكم وظيفته، ولا يعرفه الآخرون؟ هل سيتم وقف المباحثات مع إيران، وتطبيق عقوبات دونالد ترمب بشدة، الأمر الذي يخفض صادرات النفط الإيرانية، ومن ثم فهناك حاجة للتعويض عنها؟ هل هناك أمر يحاك في الخفاء لدولة نفطية أخرى وهناك حاجة للتعويض عن إنتاجها؟

وهنا لا بد من ذكر أمر قد يكون صدفة، بعد أيام من تصريح الرجل سقطت كابول. هل كان يتوقع الأميركيون ردة فعل من إيران غير مرضية للأميركيين؟ 

وذهب بعض الخبراء إلى أن ما صرح به مستشار الأمن القومي هو مجرد رسالة استباقية لـ”أوبك” قبل اجتماعها المقبل، حتى لا تقوم بتخفيض الإنتاج في ظل انتشار المتحورة “دلتا” وانخفاض الطلب العالمي على النفط بأقل من المتوقع، ومن ثم فإنه أيضاً وقفة مع بعض الدول النفطية التي تريد زيادة الإنتاج مقابل الدول الأخرى. 

وذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك إلى القول بأن الرسالة كانت بمثابة إنذار لدول “أوبك”، لأن الإدارة الحالية ستوافق على قانون “لا أوبك”، الذي يقضي، إذا تم تبنيه، بمحاكمة دول “أوبك” في المحاكم الأميركية بتهمة الاحتكار. 

تناقضات إدارة بايدن

ردة الفعل على طلب إدارة بايدن من دول “أوبك” زيادة الإنتاج غير مسبوقة، وأجبرت الإدارة على اتخاذ عدة إجراءات لاحتواء الأزمة. الأميركيون هاجموا بايدن على تصرفه “اللامنطقي” المتمثل في:

1- وقف أنابيب النفط ومنع الحفر في الأراضي والمياه الفيدرالية، في الوقت الذي يطلب فيه زيادة إنتاج النفط من دول أجنبية.

2- الهجوم على النفط وتشجيع الطاقة المتجددة لتخفيف انبعاثات الكربون، ثم إعلان الرغبة بتخفيض أسعار البنزين الذي يزيد استهلاكه الانبعاثات.

3- الهجوم على النفط وتشجيع الطاقة المتجددة، ثم طلب إنتاج مزيد من النفط! 

4- في الوقت الذي أعلن فيه بايدن تعزيز أمن الطاقة من طريق التركيز على الطاقة المتجددة، ضرب أمن الطاقة من طريق تخفيض الإنتاج الأميركي، وزيادة اعتماد الولايات المتحدة على النفط المستورد. 

أما الكنديون، بخاصة في ولاية ألبرتا، فقد شنوا هجوماً شديداً على بايدن لتناقض سياساته. فهو الذي أوقف أنبوب “كي ستون أكس أل” لأسباب بيئية، الذي كان من المفترض أن ينقل 850 ألف برميل يومياً من النفط الكندي. ومن ثم فإن الكنديين أحسوا أنهم طعنوا من الخلف مرتين، مرة عندما ألغى بايدن المشروع، ومرة عندما سألت إدارته دول “أوبك” أن تزيد الإنتاج. 

خلاصة القول إن الأمر مازال ضبابياً على الرغم من التأكيدات المختلفة أن هناك خطأ ما من قبل المساعدين. ومن ثم فإنه إما أن يكون “لا شيء”، ومجرد زوبعة في فنجان وانتهت، وإما أن يكون شيئاً كبيراً سنعرفه في ما بعد. في هذه الحالة، علينا مراقبة إيران وليبيا والجزائر وفنزويلا.

شاهد أيضاً

حكومة نتنياهو..تأزم داخلي وتجاذب خارجي

العربية- طارق فهمي الشرق اليوم– تواجه الحكومة الإسرائيلية أزمة جديدة متعلقة بتسريب معلومات أمنية تورط …